محمد فضل الله يكتب ” مناجم اللاعبين!”
الشاهد والمتأمل لكل اللاعبين الأفارقة في الدوريات الأوروبية، يجد أن اللاعب الأفريقي يلعب لآخر صافرة ولا يستسلم، وذلك بسبب البيئة والحياة القاسية التي عاش فيها في صِغره، وتعلم منها قسوة الحياة وعدم الإستسلام.
وعند مُشاهدتك لبطولة كأس أمم أفريقيا، رغم أن اللاعبين فيها لا تقدم لهم دولهم أي مميزات أو دعم، ولكن نُلاحظ الحماس والجهد والقوة مع منتخباتهم أيضاً.
وطوال مراحل تصفيات البطولة تلمع أسماء إستمراراً لإنتاج مزيداً من المواهب، كعادة كل نسخة، لذلك في كل عام وفي كل نسخة من البطولة يتواجد المئات من كشافي الأندية الأوروبية يبحثون عن المواهب الأفريقية في المدارس والقرى والأحياء لضمها إلى أكاديميات ثم يتعاقدون مع أهاليهم لتأهيلهم للإحتراف لماذا؟ لأن بطولات أوروبا تظل جاذبة لهم، ولأن مشاريعها تُبنى بما يُنهب من القارة السمراء وعكس الواقع تماماً، فساهمت مواهب الأكاديميات هذه في تطوير اللعبة في دول العالم الأول.
ورغم أن الكرة الأفريقية بدون إمكانيات ولا أموال ظل كعبها عالي في بطولات كأس العالم وتصنيفات الفيفا، لأنها مسألة مواهب تمارس كرة قدم الشوارع منذ نُعومة الأظافر.
والمُلاحظ مؤخراً أن منتخبات السنغال بدأت تحصد مازرعته من أكاديميات كرة القدم خلال ثماني سنوات من العمل الجاد والإحتراف الحقيقي.
أكاديميات السنغال تحصد الأخضر واليابس الآن، وأصبح الأمر صناعة قائمة بذاتها مع هامش ربح كبير جداً واستثمارات أجنبية كبيرة، لأن الأرباح المالية البحتة دافع أكبر وأفضل من أي خطة حكومية لتطوير الرياضة التكوين.
أكاديمية “جينراسيون فووت” أحد أهم العوامل التي جعلت من السنغال القوة العظمى الأولى في كرة القدم الأفريقية الآن، وأبرز مواهب الأكاديمية ساديو ماني وإسماعيلا سار وديالو وغيرهم، خرجوا منها إلى نادي ميتز الفرنسي ومن ثم انطلقوا في أوروبا. وهذا سبب آخر لنجاح الأكاديمية، وهو أن لها شراكة ناجحة مع نادي ميتز، حيث يدفع الفريق الفرنسي مليون يورو سنوياً، مقابل أحقية أن يوقع مع لاعبان من الأكاديمية من إختياره مجاناً.
تجربة هذه الأكاديمية تجربة فريدة ورائدة تستحق الدراسة، لأنها ستكون ماضي وحاضر ومستقبل كرة القدم في السنغال، إضافة إلى أكاديميات أخرى كثيرة منتشرة في كامل أنحاء البلاد، فهي تُمثل النموذج الناجح الذي يجب الوقوف عنده.
تأسست بداية هذه الألفية الجارية، وسرعان ما خطفت الأضواء وأضحت واحدة من الأكاديميات الرائدة في أفريقيا، من خلال تكوين وتأطير علمي عالِ الجودة، بأُطر فنية أجنبية مع فريق كرة قدم أول، تطور شيئاً فشيئاً بعد أن نال لقب الدوري 2017 و2019.
السنغال أصبحت منبعاً للمواهب حتى في مركز حراسة المرمى، حيث يتزايد عددهم في ملاعب أوروبا خاصة في الأندية الفرنسية وآخرهم الوافد من فريق “جينراسيون فووت” إلى نادي ميتز عثمان با، صاحب التسعة عشر ربيعاً، وما يُلاحظ أن تركيزاً كبيراً في الأكاديميات السنغالية على صناعة إدوارد ميندي جديد.
وبعيداً قليلاً عن موضوع المقال، رسالتنا لإتحادتنا في المنطقة العربية.. قضية تجنيس اللاعبين يتحاشى الجميع تناولها وهي ظاهرة عالمية، و”كرأي شخصي” أنا ضد تجنيس اللاعبين، لأن صاحب القرار يبحث عن تحقيق إنجازات، وليس بناء مسار متكامل للنهوض بالرياضة بشكلٍ عام، وستبقى هناك وجهة نظر أخرى تبحث عن الطريق القصير والإنجاز المؤقت، ولكن في بناء الدول هذه استراتيجية فاشلة!
شيء آخر.. تطور الكرة لا يُدار بكُرسي التعصب، الجمهور اليوم ليس بجمهور الأمس، والإعلام الآن ليس كالبارحة. كل فرد من الجمهور يستطيع معرفة الحقيقة، وقوة كل دوري في قوة إتحاده وعدالته، وفي إتاحه الفرصة لجميع المواهب على حدٍ سواء بلا محاباة أو محسوبية، لا شيء يبقى في الخفاء الآن، فتعَّلموا. والسلام.