واحة الشعر و الفن

“أم هارون” …التطبيع حقيقة أم تهمة ملفقة


لم يواجه عمل درامي اتهامات بقدر ما واجهه المسلسل الخليجي”أم هارون” لسيدة الشاشة الخليجية الفنانة القديرة حياة الفهد،منذ الإعلان عن بدء عملية التصوير قبل أكثر من ثلاثة شهور ومع انتشار التسريبات الأولية عن بعض تفاصيل الأحداث، عندما يقرر أي كاتب أو مؤلف الخوض في تجربة من هذا النوع وتحديدا عن التعايش مع الأديان يجب أن يكون حذرا بدرجة كبيرة لأن تأريخ مرحلة او حقبة زمنية وتقديمها بشكل تلفزيوني لا يمكن التجاوز عنه في ظل وجود أصوات تنظر الى كل جملة أومبادرة بأنها في تحمل أهدافا في الإتجاه المقابل، في”أم هارون”للأخوين البحرينيين  محمد وعلي شمس وجدنا الحب ولم نجد الكراهية،التقينا الإنسان ولم نصطدم باللانسان،مشاعر فاضت بالعاطفة وقلوب تأثرت لكنها لم تتحطم أمام الطائفةوالدين ،الفكرة عميقة لم يتجرأ عليها سابقون فهل التطبيع تهمة ملفقة؟
، في “أم هارون”  نحن أمام عمل فني محترف أعاد بوصلة الدراما الخليجية الى وجهتها الصحيحة ،وجعل عجلتها تركب المسار السليم ،في أم هارون وجدنا أنفسنا في رحلة البحث عن الانسان ، قادتنا الأحداث بتفاصيلها للركض وراء كل شخصية فوجدنا في كل واحدة قصة ،بداية ووسط ونهاية،لم تكن الشخوص التي أوجدها الثنائي شمس شخوصا عابرة بل كانت رئيسية مهمة وملحة يقودها لاعب ارتكاز بطل هي “أم هارون” القديرة حياة الفهد،أسرة الحاخام في المسلسل والتي تندرج من أصول عراقية هي اسرة مسالمة عاشت في مجتمع خليجي تسودة المحبة والسلام ،مجتمع لم يكن في حاجة الى تزييف الحقائق وإلباسها ثوبا لا يليق بها ،شفافية مطلقة وروحا مفعمة وتواقة للمحبة والسلام، علاقات عاطفية وقلوب تتحطم وأخرى تنكسر،خليط مشاعر وحنان وعاطفة وأحقاد،تشابك في القلوب قبل الأيادي،أحداث تسير بخطوات متسارعة،مناكفات،مشاعر دفينة،أحقاد،وحب قديم ،عرقية واصول واسلام ومسيح ويهودية،هذا الخليط المتجذر في مجتمعنا الخليجي مثله مثل أي مجتمع آخر في الكرة الأرضية، في “أم هارون”لا يمكن يمكن تجاوز معلومة مغلوطة جاءت على لسان ممثل  ووجود خطأ ورد ضمن جملة لا يعني بالضرورة بأن نسقط العمل ونضعه على المصقلة أو منصة الإعدام مع الايمان بضرورة ان يكون العمل الفني مترامي الأطراف،
نعم يجب أن يكون التأليف على درجة من الدقة المطلقة،وهذا ما لمسناه في تداعي أحداث المسلسل من خلال شخصية “أم هارون” التي تستدعي نحوها الشخصيات في خطوط متساوية واتجاهات مختلفة،هي المحرك الرئيس ، منها وإليها تنطلق الحوارات ،”ام هارون ” أشبه بلاعب الإرتكاز في فريق كرة القدم تجده في الأمام يباغت ويغذي اللاعبين وفي الخلف تجده صمام الأمان،الفنانة حياة الفهد هي صمام أمان  كل عنصر في المسلسل،حتى مع ارتفاع وتيرة الانتقادات والتهم فالجميع لا يعرف سواء اسم البطلة  حياة الفهد، إن العمل الفني الناجح أشبه بالمثلث يقوم على ثلاثة أضلاع نص جيد،ممثل جيدومخرج جيد ، في”أم هارون” تحققت هذه العناصر الثلاثة بكل احترافية ،نص يحمل عمقا ثقافيا أعادنا إلى مجتمع لم يعد يشبهنا حاليا، مجتمع مسالم تتعايش فيه الطوائف مجتمع “الانسان” المسلم والمسيحي واليهودي ، هذه البقعة من الأرض لم يسميها المؤلف لأنه لا يريد أن يصبغها بلون اًو منطقة او جنس او لون بل ترك لنا خيارات تحديد المكان والزمان بل وجه لنا دعوة صريحة للتعرف على شخوص المسلسل ورصد مشاعرهم الظاهرة والخفية مع كل حدث سياسي واجتماعي وعاطفي،جعلنا جزء من هذه الحدودته فاصبحنا اصدقاء ل”سمحة” الوجه والخلق والمظهر،العجوز الداية المسنة” أم هارون” التي يسكنها مجتمعها البسيط بمختلف أطيافة،”أم هارون”المرأة التي تخلت عن كل شيء من أجل من تحب.
التوقف عند أداء الممثلين صعب جدا ،كل عنصر تفوق من ناحية الأداء،من أين نبدأ وإلى أين ننتهي،حياة الفهد ،إمراة مسنة بشعرها الأبيض المجعد يلفه ايشارب يدل على وقارها واحترامها لسنوات عمرها ، أداء جبار في تقمص الشخصية، الوهن في طبقة الصوت ، والتعبير عن المشاعر حتى في لحظات الصمت،الفنان الاماراتي احمد الجسمي فنان قدم كل ما تحتاجه الشخصبة،لا نبالغ في القول بأنه خدعنا في البداية عندما تعاطفنا مع في البداية لكن سرعان ما كشف عن شخصيته الحقيقية، الفنان عبدالمحسن النمر”الحاخام” ممثل محترف ،اشتغل على الكراكتر بشكل كبير،أداء متقن،معايشة للشخصية ،مخلص في كل شيء،يشاركه الثنائي روان مهدي وفؤاد علي لم نرى ممثلين على الشاشة بل بشر حقيقيون ،ملامح مشاعر حتى ارتجاف الشفايف لم يكن تمثيلا،الفنانة فرح الصراف ظهرت بشكل جميل ورائع لكن خانتها بعض الجمل تارة تكون بلهجة عراقية وتارة بلهجتها الكويتية لكن ادائها واضافتها الكبيرة للدور يجعلنا نتجاوز عن زلتها البسيطة.
الصورة التلفزيونية التي شاهدناها في “ام هارون” للمخرجين محمد العدل ولولوة عبد السلام صورة جميلة سلسلة ليست متعبة،ديكور حقيقي معبر ،بيوت ودكاكين وأزقة وحارات أعادتنا لتلك الحقبة الزمنية ،في نهاية الحديث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com