منوعات

قهوة خلف العفنان في السبعان .. لغة الكرم وجمال البنيان

 

 

 

الكأس – عثمان الشلاش

 

تُعد “قهوة” الفارس خلف بن سعد العفنان آل مفيد الحميضي التميمي، الواقعة في بلدة السبعان غرب جبل سلمى بمنطقة حائل، أحد معالم الكرم والأصالة التاريخية، إذ أُنشئت هذه المضافة عام 1366هـ ـ 1947م، على مسافة من مقصورة والده الشامخة التي تتصدر واجهة قصر العفنان التاريخي.

 

وبحسب اللهجة النجدية الحائلية، فإن مصطلح “القهوة” يُطلق أيضاً على المضافة، وهي مبنية بالطين وفق الطراز النجدي القديم، باستخدام أسلوب “عروق الطين”، وهو نمط تراثي من أقوى وأجمل أساليب العمارة النجدية القديمة.

 

يبلغ ارتفاع مبنى القهوة ثمانية أمتار، مما يمنح المكان هيبة وجلالاً، ويسمح لدخان النار بالارتفاع دون أن يحجب صفاء الرؤية عن الضيوف، ليعيشوا لحظات الأنس في دفء سنا النار وبريق الجمر، متلألئاً بعبق العود.

 

ويتصل البناء ببرج غربي شامخ يضفي عليه لمسة جمالية ودفاعية، تعكس عبقرية البناء القديم الذي جمع بين الحُسن والحصانة، إلى جانب مسجد تراثي بديع يضفي على المكان تناغماً معمارياً وروحياً يعكس أصالة العمارة ورسوخ الإيمان.

 

الجدران الداخلية للقهوة اكتسبت وشماً داكناً من لهب “الوجار”، الموقد التقليدي الذي لا يخبو سناه، في مشهد يجسد السخاء المتواصل، ويخلّد ذكريات المجالس وأحاديث السمر، في حضرة فارس خاض المعارك بنفسه، وورث المجد عن والده.

 

ومن دلائل هذا المجد، ما قاله الشاعر فرج بن خربوش الأسلمي في مرثيته لوالد خلف، أبو خلف، حين زاره في قصر العفنان:

 

يا من لعينٍ فشري ضيعت ماه

يا (أبو خلف) تبكي عليكم عمادي

 

تبكي على الشيبان ما به مراواه

شيباني اللي عارفينن قنادي

 

اتلاهم أنت مضنبع واحلولاه

لو من بغى شي حضب منك إيادي

 

وقد خَلّد الفارس خلف بن سعد العفنان اسمه في صفحات المجد بمواقفه البطولية، أبرزها مشاركته في معركة النيصية عام 1340هـ ـ 1921م، التي نال فيها لقب “فكّاك النيصية” تقديراً لشجاعته. وقال الشاعر مناور بن غمر الأسلمي الشمري واصفاً هروب راع البيرق أمام شجاعة خلف:

 

خلى بيرقه كوبان

قضى عزه وسعده

 

بين القطعاء والسبعان

قعد تسعين قعده

 

أما الشاعر بدر العفنان فصوّر كرم وشجاعة “أبو سالم” بقصيدة طويلة، جاء فيها:

 

الدار من دونه رجال صواهيل

ما حسبوا للموت والرمي حامي

 

معهم كما الديبان ترهم مشاكيل

بموازرٍ ترمَ الضريبة شمامي

 

من دونها بو سالم محمل الشيل

اللي ليا ثار الدخن ما يهامي

 

ما هو تيوه مار ما يقبل الميل

يركض على كسع الجموع الولامي

 

أيمانهم يا ما تنفّد من الهيل

ويا ما تنفّد من كثير الطعام

 

لقد بقيت آثار قهوة خلف العفنان شاهدة على إرث من الكرم والعراقة، رغم ما أصابها من عوامل التعرية وتقادم الزمن، ويُنتظر أن يبدأ ترميمها قريباً لتعود كما كانت: منارة للضيافة وسجلاً لإرثٍ مجيد لا يُمحى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com