إبراهيم البارقي يكتب:”يحتاج لأبنائه.. لا لنجومه فقط”

مع اقتراب إسدال الستار على موسم رياضي حافل بالأحداث والمتغيرات، أسعدت البعض وأغضبت آخرين من جماهير الأندية المتنافسة، وكانت جماهير قطبي الغربية الأهلي والاتحاد الأوفر حظًا في تسجيل النهايات السعيدة.
الجاران الراقي والعميد تقاسما بطولتين مختلفتين، حقق منها الأهلي “نخبة آسيا”، البطولة القارية الأولى في تاريخه، مع عدد من الأولويات، في مقدمتها كأول نادٍ يحقق البطولة دون خسارة، مع أحقية اللعب في ثلاث بطولات قارية وعالمية، والاتحاد ظفر بالدوري الأصعب والأقوى فنيًا وماليًا على مستوى قارة آسيا، مع انتظار نهائي كأس الملك، أغلى الكؤوس، الذي سيجمعه بالقادسية.في المقابل، خرجت أندية العاصمة دون أي منجز هذا الموسم، ما عدا المشاركة المنتظرة للهلال في نهائيات كأس العالم للأندية.
حديثي أقتصره على نادي النصر، الذي يمر بمرحلة ساخنة جدًا بعد ابتعاده عن البطولات لأسباب متعددة، وعندما نقول النصر، فهو ذلك النادي الجماهيري العريق الذي لا ينقصه شيء، سوى أن يُدار بما يليق بتاريخه، وبأيدٍ ترى في الكيان غاية لا وسيلة، وتعمل من أجله لا من خلاله، عندها سيعود العالمي ليكتب مجده بالبطولات.
كرة القدم هي منظومة متكاملة، لا تكفي فيها الأسماء اللامعة ولا الوفرة المالية لصناعة النجاح. التجارب العالمية والمحلية تؤكد أن البطولات تُحسم بوضوح الرؤية، ووحدة القرار، وثبات العمل، والاستراتيجيات المؤثرة في صناعة ثقافة الانتصار والحفاظ على المكتسبات، وعندما تغيب تلك العوامل، تتحول الطموحات والأمنيات إلى كومة من الخيبات المؤلمة، يعيشها الجمهور العاشق.
نادي النصر أحد أعرق الأندية في المملكة العربية السعودية، وركيزة أساسية في المنجزات الرياضية السعودية وأحد أعمدتها القوية، ولكنه أشبه ما يكون بلغزٍ محيّر لعشاقه، أحيانًا يملك كل شيء، وأحيانًا أخرى تجده يخسر كل شيء.
يتساءل عشاق العالمي عن إخفاقات متكررة، في الوقت الذي يُنتظر منه فيه أن يقول كلمته، سواء على المستوى المحلي أو القاري، وهو ما يفتح الباب لتساؤلات أخرى منطقية، تتجاوز كونها قراءة فنية تقليدية.. عنوانها العريض “ماذا يحدث يا نصر؟”
من الطبيعي أن يُشار إلى بعض الأسباب الفنية الواضحة، مثل عدم الاستقرار على جهاز فني طويل المدى، وغياب الانسجام في بعض التوظيفات التكتيكية، وخلل التوازن في التعاقدات بين المراكز، إلى جانب تراجع تأثير اللاعب المحلي في ظل كثافة النجوم الأجانب.
كما لا يمكن إغفال عامل الضغط الجماهيري والإعلامي، الذي يفرض أجواء متوترة تنعكس سلبًا على أداء الفريق في المحكّات الحاسمة.
لكن ما هو غير مُعلن، وغالبًا ما يُقال همسًا، هو أن هناك عناصر غير فنية تؤثر على مسار الفريق. في أحيان كثيرة، لا يكون العائق فيمن داخل الملعب، قد يكون فيمن يُقرر خارج الملعب.
حتما، تعدد وجهات النظر، أو تشابك المرجعيات، يُنتج عنه حالة من الضبابية والصخب في اتخاذ القرار الرياضي، لا سيما عندما تتداخل المصالح أو تتفاوت الولاءات. وحين لا يكون القرار الرياضي نابعًا من رؤية موحدة مخلصة للكيان، فإن أي مشروع فني، مهما كان طموحًا، سيظل عرضة للاهتزاز.
الفرق الكبرى التي صنعت أمجادها، محليًا أو عالميًا، فعلت ذلك حين توحدت خلف رؤية يقودها رجال يؤمنون بالنادي قبل أي شيء آخر، رجال تنبع قراراتهم من الانتماء لا من التوجيه. في بيئة كهذه، تُبنى الفرق لا تُستورد، وتُصنع البطولات لا تُنتظر.
ولذلك فإن العودة إلى المسار الصحيح لا تبدأ من التعاقد مع نجم إضافي أو مدرب جديد فقط، لا بد أن تبدأ من إعادة التفكير في البيئة التي يُدار بها النادي، وفي طبيعة القرار الرياضي داخله، فكل ما يملكه النصر اليوم من نجوم وإمكانات وجماهير كافٍ لو وُضع في منظومة متناغمة تُحسن استثماره، وتحوّل الطموح إلى واقع، والموارد إلى ألقاب.