حسن السلطان يكتب:”كريستيانو رونالدو.. أهمية عظيمة تتجاوز الألقاب”

لا يزال الغموض يحيط بمستقبل كريستيانو رونالدو مع نادي النصر، في وقت لم يحقق فيه الفريق أي بطولة منذ انضمامه، وهو أمر ترك أثرًا سلبيًا واضحًا على معنويات الجماهير، وأثار تساؤلات كثيرة حول جدوى استمراره،لكن المقلق في هذا المشهد ليس غياب البطولات، بل غياب الفهم الحقيقي لقيمة النجم العالمي الذي يمتلك قاعدة جماهيرية تقارب المليار متابع في السوشل ميديا، ويُعد أحد أهم رموز كرة القدم في العصر الحديث.
للأسف، فإن مواقف كثير من المتابعين، سواء من الجماهير أو حتى بعض الإعلاميين، تجاه مستقبل كريستيانو يغلب عليها الطابع العاطفي، بعيدًا عن أي قراءة عقلانية لطبيعة المرحلة التي تمر بها الأندية السعودية، والتي تحوّلت بعضها إلى كيانات تجارية واستثمارية.
قد يُعذر الجمهور الذي اعتاد على مقاييس تقليدية في التقييم، لكنه من غير المقبول أن يجهل إعلاميون تأثير هذا التحول الكبير الذي يقوده سمو ولي العهد ضمن مشروع وطني طموح يهدف إلى إنجاح رؤية 2030 واستضافة المملكة لبطولة كأس العالم مستقبلاً.
عودة بسيطة إلى الماضي تُظهر لنا أن القيمة الرمزية للنجم العالمي تتجاوز بكثير حدود النتائج داخل الملعب، ففي عام 1987، استضاف النادي الأهلي الأسطورة دييغو مارادونا في مباراة ودية احتفالًا بمرور خمسين عامًا على تأسيسه، ولا يزال النادي يفتخر بهذه اللحظة التاريخية، رغم أنها لم تكن بطولة أو إنجازًا تنافسيًا.
اليوم، نادي النصر يملك لاعبًا بقيمة كريستيانو رونالدو، وهو اسم عالمي يتصدر منصات التواصل الاجتماعي، ويلفت الأنظار إلى الدوري السعودي من كل أنحاء العالم. ومع ذلك، نجد بعض الأصوات تطالب بعدم التجديد معه بحجة غياب البطولات، وكأن هؤلاء لا يدركون أن مجرد وجود كريستيانو على أرضية الملعب هو بحد ذاته بطولة ورافعة تسويقية هائلة.
للتذكير، قبل نحو عام ونصف من قدومه للنصر، كانت هناك مفاوضات جادة من مانشستر سيتي لضمه، وهو قرار كان مبنيًا على رؤية استراتيجية من مجموعة سيتي التي كانت تدرك أن التعاقد مع كريستيانو سيعزز من العلامة التجارية للنادي الذي، رغم سيطرته الكروية، لا يزال دون مستوى الشعبية التي تتمتع بها أندية إنجليزية أخرى.
نفس هذا المنطق يجب أن يسود في الرياضة السعودية، فنجاح التحول الرياضي لا يُقاس فقط بالألقاب، بل بقدرة النادي على التوسع عالميًا، وتعزيز حضوره في الأسواق العالمية.
مانشستر يونايتد مثال واضح على ذلك؛ فالنادي يمر بسنوات عجاف من حيث البطولات، لكنه لا يزال من أعلى الأندية الإنجليزية و الأوروبية دخلًا بفضل جماهيريته العريضة.
لو كنت في موقع رئيس نادي النصر، وخُيّرت بين التتويج بثلاث بطولات في موسم واحد أو التعاقد مع كريستيانو، لاخترت كريستيانو دون تردد، لأن أثره العابر للحدود، وحضوره الإعلامي، وانتشار قميص النصر عالميًا، هي مكاسب لا يمكن حصرها. يكفي أن نرى مؤثّرًا عالميًا مثل “سبيد”، المعروف بعشقه لكريستيانو، يظهر في مقابلة مع رئيس الفيفا ويتحدث عن كريستيانو، لتدرك مدى ثقل هذا الاسم في رسم خريطة جديدة لكرة القدم السعودية.
وحتى على مستوى الحياة اليومية، هناك مؤشرات مذهلة جدًا حيث قبل فترة، فوجئت بابني ذي الخمس سنوات في أمريكا – حيث لا يحظى الطفل هناك ببيئة كروية مماثلة لما نراه في السعودية – يقلد حركة كريستيانو الشهيرة ويصرخ بـ”سييي” و يطلب مني الذهاب إلى الملعب لكي يسجل هدف و يعمل الحركة، لم يحدث أن رأيت هذا التأثير لأي لاعب آخر، حتى بعد قدوم ميسي إلى الدوري الأمريكي أو انتقال نيمار للهلال، لا انتشار، لا حديث، لا حضور… باستثناء كريستيانو.
إن خسارة النصر لكريستيانو ليست خسارة فنية فقط، بل هي خسارة لمشروع كامل يتقاطع مع التحول الكبير في الرياضة السعودية، لذلك الحفاظ على كريستيانو هو حماية لأيقونة تسويقية، وتكريس لرؤية بعيدة المدى عنوانها: لا تضع البطولات فوق العلامة، لأن من يملك الاسم، يملك السوق، والجمهور، والتاريخ.
ولو ذهب كريستيانو إلى الهلال، فسيضيف له شيئًا ينقصه إلى جانب البطولات، وهو الشهرة العالمية.
وبصراحة، في حال عدم حصول ذلك، فإنني أتمنى أن يتعاقد معه نادي القادسية الذي تسيطر عليه شركة أرامكو العالمية، حيث ستكون الشراكة معه ذات أبعاد جديدة وعميقة، ولا شك أن أرامكو ستستثمر فيه جميع خبراتها التسويقية، مما يجعل التجربة نموذجًا رياديًا في عالم الرياضة الحديثة.