الخليفي يرفع باريس إلى القمة.. العاصمة تتجاهل أضواء برج إيفل وتُبهر ببريق النجمة الأولى!

الكأس- عكاشة الأنصاري
مضى ما يقارب خمسة عشر عامًا، تحديدًا منذ عام 2012، على استحواذ شركة قطر للاستثمارات الرياضية على نادي باريس سان جيرمان الفرنسي، برئاسة ناصر غانم الخليفي. باريس، المدينة التي تُعرف في أذهان الجميع كعاصمة النور والموضة ومنبع الحب، كانت تعيش في السابق بعيدًا عن الأضواء الكروية. نادي باريس سان جيرمان كان يكافح للبقاء في الدوري الفرنسي، بعيدًا عن منافسة عمالقة الكرة المحلية مثل مارسيليا وليون وسانت إتيان. لكن، كما اعتاد ناصر الخليفي في صغره مشاهدة والديه وهما يستخرجان اللؤلؤ من المحار بعناية، جاء ليفتح “محار” النادي الباريسي ويُظهر لؤلؤته المتلألئة التي كانت تنقصه، خاصة وأن باريس تمثل إحدى أكبر عواصم العالم، لكنها كانت تفتقر إلى نادٍ يعكس هذا البريق.
ناصر الخليفي، البارع في رياضة التنس، والذي اشتهر عالميًا كلاعب محترف مثّل منتخب قطر في العديد من البطولات الدولية، تولى رئاسة الاتحاد القطري للتنس عام 2008 بعد اعتزاله. لعبة التنس، بطبيعتها الفردية، علّمته العمل الجاد، التفاني، الإصرار، والتحدي لتحقيق الفوز. هذه الصفات حملها معه إلى عالم كرة القدم عندما دخله من بوابة الدوري الفرنسي عبر نادي باريس سان جيرمان، الذي كان يعاني من صعوبات في المنافسة ويفتقر إلى الألقاب محليًا، ناهيك عن غيابه شبه التام عن المنافسات القارية.
في صيف 2011، أحدثت شركة قطر للاستثمارات الرياضية، بقيادة الخليفي، ضجة في الشارع الرياضي العالمي من خلال صفقات مدوية لرفع مستوى الفريق وجذب أنظار الإعلام إلى باريس كنادٍ، وليس فقط كمدينة يُعرف ببرج إيفل. من بين هذه الصفقات: خافيير باستوري، الموهبة المطلوبة في أكثر من دوري، وماكسويل القادم من برشلونة، والمهاجم الفرنسي كيفن جاميرو، والحارس الإيطالي سيريغو من باليرمو، بقيادة المدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي. قبل الاستحواذ، كان باريس سان جيرمان يملك لقبين فقط في الدوري الفرنسي، متأخرًا بفارق كبير عن سانت إتيان (10 ألقاب)، مارسيليا (9 ألقاب)، نانت (8 ألقاب)، موناكو وليون (7 ألقاب لكل منهما)، وبوردو (6 ألقاب).
ثورة الخليفي الرياضية
بعد عام 2011، شهد الدوري الفرنسي ثورة رياضية بقيادة الخليفي، حيث اجتاح باريس سان جيرمان المنافسة المحلية وأصبح كابوسًا للأندية الأوروبية الكبرى. الفريق، الذي لم يكن يُخشى من قبل، أصبح قوة لا تُضاهى بفضل لاعبين مميزين قادرين على إلحاق الضرر بأي منافس، مهما كان حجمه. تحت قيادة مدربين كبار مثل أنشيلوتي، لوران بلان، أوناي إيمري، توماس توخيل، ماوريسيو بوكيتينو، كريستوف غالتييه، ولويس إنريكي، حقق النادي نقلة تاريخية. من لقبين فقط، تصدر باريس سان جيرمان قائمة الأندية الأكثر تتويجًا بالدوري الفرنسي بـ13 لقبًا، بالإضافة إلى تصدره قائمة الأكثر تتويجًا بكأس فرنسا، كأس الرابطة الفرنسية، وكأس الأبطال الفرنسي. محليًا، أصبح باريس بطلًا لا يُنازعه أحد، يسطر مسيرته بماء الذهب بعدد ألقابه.
التحدي القاري
على الرغم من النجاحات المحلية، ظلّت الإخفاقات القارية تُزعج إدارة النادي. رغم إنفاق الملايين وجلب صفقات عالمية مثل زلاتان إبراهيموفيتش، آنخيل دي ماريا، كيليان مبابي، سيرجيو راموس، ونيمار، إلا أن النتائج القارية كانت مخيبة للآمال، مع سيناريوهات مؤلمة في كل موسم. هذا فتح المجال للشكوك حول قوة الدوري الفرنسي، حيث رأى البعض أن باريس يملك المال فقط دون إرث أو تاريخ يؤهله للمنافسة الأوروبية. الخليفي، الذي عاش هذه الانتقادات والنبرة الإعلامية، استلهم من خبرته في التنس الصبر والترقب. في موسم 2020، اقترب النادي كثيرًا من الحلم بعد الوصول إلى نهائي لشبونة، لكنه خسر أمام بايرن ميونيخ في مباراة مؤلمة.
الحلم يصبح واقعًا
بعد خمس سنوات، تحقق الحلم أخيرًا في موسم 2025. تحت قيادة ناصر الخليفي والمدرب لويس إنريكي، وبمساندة مجموعة من اللاعبين الشباب الواعدين، فاز باريس سان جيرمان بدوري أبطال أوروبا للمرة الأولى في تاريخه، بعد انتصار تاريخي بخماسية على إنتر ميلان في ملعب أليانز أرينا، معقل بايرن ميونيخ. هذا الفوز جعل باريس يحقق الحلم الذي طال انتظاره طوال فترة رئاسة الخليفي.
الخاتمة
من كان أجداده يستخرجون اللؤلؤ من المحار، استطاع ناصر الخليفي أن يجعل باريس سان جيرمان لؤلؤة تتلألأ في سماء الكرة الأوروبية. اليوم، باريس لا تفخر فقط ببرج إيفل، بل بناديها الذي أصبح رمزًا للنجاح والطموح، حيث تحول المستحيل إلى واقع بفضل رؤية رجل آمن بأن الإصرار والعمل الجاد يمكنهما تحقيق المعجزات.