فيصل أحمد العسيري يكتب:”حتى لا يقتل الاحتكار أسواق خيولنا المحلية”

في الوقت الذي تواجه فيه صناعة الخيل المحلية السعودية تحديات جديدة على أرض الواقع، ومع ما تحمله من آثار سلبية واضحة لجميع المهتمين بشكل أو بآخر، كانت المحصلة في نهاية الأمر انخفاض أعداد مواليد الأمهار السنوي. وقد بدأنا نلحظ بعض مؤشراته خلال الفترات الماضية القريبة بخروج بعض مربي ومنتجي الخيل من الفئة المتوسطة وأقل من السوق، والتراجع في الأسعار، وتحويل الكثير من الأفراس إلى حاضنات لأنشطة إنتاج أخرى. وهذا بلا شك خلق لدى البقية حالة من الخوف من مواجهة الاحتكار وسطوته، والتفكير في البحث عن طرق للهروب من أدواته الخطيرة (الاستحواذ والسيطرة والتحكم) المهددة لطموحاتهم وبقائهم في معترك صناعة الخيل المحلية، التي مرت عبر مراحل كثيرة منذ بدايتها الحقيقية، منذ اكتمال تسجيل الإنتاج المحلي السعودي في سجل أنساب الخيل الدولي “الوذربيدز” في منتصف التسعينات الميلادية وحتى اليوم.
هذه المشكلة أضحت واقعًا على المستوى العالمي، حيث أعلنت بريطانيا “الأعرق” في عالم صناعة الخيل المهجنة في وقت سابق عن ضخ أكثر من 5 ملايين جنيه إسترليني في جوائز السباق، في محاولة لعكس الاتجاه المقلق لانخفاض أعداد خيول السباق. ويؤكد كولن برايس، مالك المزرعة الشهيرة “لوندري كوتيدج” المنتجة للفحل النوعي “ووتن باسيت”، في تصريح لصحيفة ريسينغ بوست، خطورة تناقص أعداد مواليد الأمهار في بريطانيا، مشيرًا إلى أن ذلك سيجعل معظم المربين الصغار وحتى المتوسطين على وشك الاندثار. وهو رأي يتفق معه إد بلاير، مالك مزرعة “واتون مانور”، مشيرًا إلى أنه سيناريو قد يدفع حتى الأثرياء التقليديين إلى حافة الهاوية بسبب اقتصاديات هذه الرياضة في بريطانيا. كذلك حذّر فيليب نيوتن، رئيس جمعية مربي الخيول المهجنة الأصيلة، من تأثير ذلك على حجم برنامج السباقات والجوائز ومزادات الخيول، جراء توقع انخفاض محصول الخيول البريطانية من الأمهار بنسبة تصل إلى 25% بين عامي 2022 و2026، إلى جانب ما ذكره نِك سميث، مدير السباقات والشؤون العامة في أسكوت، حول أن قلة الخيول المسجلة في السباقات الكلاسيكية مؤشر على تضخم برنامج السباقات وانخفاض أعداد الخيول.
وفي أمريكا، المتصدرة عالميًا من حيث أعداد مواليد الأمهار المهجنة، شن رجل الأعمال ومالك الخيل مايك ريبول، عبر حسابه على منصة “إكس”، هجومًا حادًا على نادي الجوكي كلوب الأمريكي عقب مزاد “فاسيغ تيبتون ساراتوغا” الأخير الذي حطم الأرقام القياسية بزيادة نسبة المبيعات 23% لكثرة الطلب أمام قلة المعروض. واتهم رواد الصناعة بالجشع وتدمير الأسواق المتوسطة والدنيا لهذه الرياضة، بعد انخفاض عدد الأمهار من 50 ألف مهر إلى أقل من 20 ألف. ووصف نفسه بالمشتري “الأحمق” الذي لم يتفاجأ بالأرقام المرتفعة، معتبرًا إياها دليلًا على التضخم لا على الازدهار، نتيجة لعبة حصرية باهظة الثمن يزداد فيها الأثرياء ثراء، وتموت فيها الأسواق المتوسطة والصغيرة.
إن الخوف من انخفاض مواليد الأمهار السعودية وما يؤدي إليه من نتائج مستقبلية، يُبرز الحاجة الماسة لمربي ومنتجي الخيل من الفئة المتوسطة وما دونها إلى توفير بيئة مثالية وآمنة لعمليات الإنتاج والتربية، عبر حزمة من المبادرات والبرامج المتنوعة، منها على سبيل المثال إقامة مزارع أو مراكز وطنية تعنى بتربية وإنتاج الخيل، أو الشراكة مع القطاع الخاص للاستفادة من التجارب الناجحة، تحقيقًا للاستثمار الأمثل للدعم غير المحدود الذي توليه قيادتنا الرشيدة – حفظها الله – لقطاع الفروسية من خلال جهود هيئة الفروسية، المنطلقة من ارتباط الفروسية والخيل بكافة مكونات المجتمع بدءًا من ملوكها الأوائل حتى المواطن البسيط، كإرث تاريخي للإنسان السعودي، وبما يحقق المصالح الرياضية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية المرجوة، كرسالة بارزة في نبذتها على موقعها الإلكتروني.
ترنيمة…
يقول سلطان السعد في وصف البطل “أروقيت”:
قادم من الفجر
كقصائد الأجداد
كأحلامهم
كغيمة تلتهم الشمس.