وائل فطوش يكتب:” الدوري التونسي بين الحاجة للإصلاح وضرورة التغيير”

الدوري التونسي يعيش اليوم وضعية دقيقة، وأعتقد أن الوقت قد حان لإجراء إصلاحات جوهرية وسريعة تعيد للبطولة قيمتها وهيبتها، وتجعلها قادرة على التطور والارتقاء إلى مصاف البطولات الكبرى. هذا نداء أوجهه إلى الجامعة التونسية لكرة القدم وإلى كل من يملك القرار، لأن الاستمرار على نفس النهج لن يؤدي إلا إلى مزيد من التراجع.
أول ما يجب التفكير فيه هو ملف اللاعبين الأجانب. لقد بات واضحًا أن فتح الباب على مصراعيه أمام انتدابات لا تخضع لمعايير دقيقة قد أضر باللاعب التونسي الشاب، وحرم الكثير من المواهب من فرصة البروز. لذلك أرى أن الحل يكمن في وضع سقف لا يتجاوز ثلاثة لاعبين أجانب على أرضية الميدان، مع اعتبار أي لاعب من المغرب العربي لاعبًا أجنبيًا أيضًا، حتى لا نفقد هوية بطولتنا ولا نغلق الأبواب أمام طاقاتنا المحلية.
ثم تأتي المسألة الأهم، وهي هيكلة الأندية. لم يعد مقبولًا أن تظل الأندية في شكل جمعيات رياضية تقليدية تفتقد إلى الحوكمة الرشيدة، وتعيش على التبرعات والمساعدات المحدودة. الإصلاح الحقيقي يبدأ بتحويلها إلى شركات رياضية قابلة للاستثمار والشراء من قبل رجال أعمال تونسيين أو حتى أجانب، بما يضمن مداخيل قارة ويجعلها قادرة على إدارة نفسها باحترافية عالية. كرة القدم اليوم لم تعد مجرد هواية أو نشاط اجتماعي، بل أصبحت صناعة كبرى، ومن لا يفهم ذلك سيظل رهين الأزمات.
ومن بين النقاط التي أعتبرها محورية أيضًا، ضرورة الانفتاح على التجارب العالمية الناجحة. لماذا لا توقع الجامعة التونسية اتفاقية تعاون مع رابطة “الليغا” الإسبانية مثلما فعل العراق؟ مثل هذه الشراكة من شأنها أن تنقل إلينا خبرات كبيرة في تنظيم البطولات، صياغة القوانين، تطوير التحكيم، وتسيير الأندية. نحن في حاجة إلى الاستفادة من تجارب الآخرين بدل الاكتفاء بإعادة اجترار نفس الأخطاء.
قضية أخرى لا تقل أهمية هي تضارب المصالح. من غير المعقول أن يستمر بعض رؤساء الأندية في دعم ورعاية منافسين داخل نفس البطولة، فهذا يتعارض مع أبسط قواعد الشفافية وينسف مبدأ تكافؤ الفرص. يجب أن يكون هناك قانون واضح يمنع هذا السلوك، لأنه يضرب مصداقية الدوري ويخلق شبهات نحن في غنى عنها.
وفي الأخير، يبقى الإصلاح الأكبر هو إرساء مؤسسة دوري تونس لكرة القدم كيانًا مستقلًا قائمًا بذاته، منفصلًا تمامًا عن الاتحاد التونسي لكرة القدم. استقلالية البطولة شرط أساسي لتطويرها، لأنه لا يمكن أن تدار بنفس العقلية والآليات القديمة التي أثبتت فشلها. مؤسسة محترفة، بموارد واضحة وقرارات شفافة، قادرة على فرض هيبتها وحماية مصالح جميع الأندية على قدم المساواة.
أدرك أن هذه المقترحات قد تبدو للبعض شبه مستحيلة التحقيق، وربما يعتبرها آخرون طوباوية أو خيالية، لكنني مقتنع تمامًا بأنها الطريق الوحيد لإنقاذ كرة القدم التونسية. فإما أن نمتلك الشجاعة لنخطو خطوات جريئة نحو المستقبل، وإما أن نبقى ندور في نفس الدائرة المغلقة التي تستهلك طاقاتنا وتبدد أحلام جماهيرنا. التغيير لم يعد خيارًا، بل أصبح ضرورة لا مفر منها.