مينديز: الدوري السعودي يشهد طفرة غير مسبوقة وتطوير المدرب العربي ضروري للنجاح

الكأس – طارق الأسلمي
في حديث خاص لـصحيفة «الكأس» استعاد المدرب الإسباني ميلتون مينديز، أبرز محطاته التدريبية، موضحًا أن اللحظة الأكثر تأثيرًا في مسيرته كانت حين قرر تحويل خبراته كلاعب ومدرب إلى منهجية متكاملة عُرفت لاحقًا باسم «منهج ميلتون مينديز» مع دمج PEI. تلك الخطوة مثّلت نقلة نوعية، إذ لم تعد التجارب مجرد محطات متفرقة، بل أصبحت نظامًا يمكن تطبيقه وتكراره عبر تصميم دورات تدريبية مصغّرة تربط بين الجوانب البدنية والتكتيكية والمعرفية، وتُترجم إلى برامج تعليمية للمدربين والأندية، ما غيّر مساره من التعامل مع كل مباراة على حدة إلى بناء هياكل مستدامة لتطوير اللاعبين والمؤسسات على المدى الطويل.
وتوقف مينديز عند تجاربه في مختلف البلدان، مشيرًا إلى أن قطر قدّمت له بيئة احترافية عالية، غنية بالموارد والاستثمارات الكبيرة في المرافق والتحليلات، مع إيقاع عمل سريع وتوقعات واضحة لنتائج ملموسة، في ظل مزيج يجمع بين المواهب المحلية والخبرات الأجنبية. أما البرتغال فتميزت بعمق ثقافة التدريب والتعليم التكتيكي طويل المدى، حيث تولي الأندية الصغيرة أولوية لتكوين اللاعبين وتسويقهم، في حين أن البرازيل، برغم ما تزخر به من شغف ومواهب، تعاني أحيانًا من ضعف في البنية التحتية والتخطيط بعيد المدى، إضافة إلى الضغوط المالية والسياسية اليومية. واستخلص من كل محطة دروسًا مختلفة: قطر طوّرت قدرته على التكيّف مع فرق متعددة الثقافات، البرتغال عززت الجانب المنهجي والتعليمي، والبرازيل علمته كيفية إدارة الشغف والتوقعات في بيئات مليئة بالتحديات.
وعن تقييمه لكرة القدم العربية، أكد مينديز أن الاستثمارات المتزايدة، واستقطاب الأسماء الكبرى، والاحترافية المتنامية في علوم الرياضة والدعم الفني، تشكل عناصر قوة حقيقية، غير أن التفاوت في أنظمة تطوير الشباب والحاجة إلى تعزيز التعليم التدريبي المحلي واكتشاف المواهب، إضافة إلى غياب هوية تكتيكية موحدة وعمق تنافسي ثابت، تمثل أبرز مواطن الضعف، مما يستدعي بناء شبكات أكاديمية قوية وتعليم تدريبي راسخ.
ويرى المدرب الإسباني أن طريق الكرة العربية نحو العالمية يتطلب إنشاء برامج موحدة لتطوير الشباب مرتبطة بأنظمة تدريب وطنية، مع ضرورة تقوية المسابقات المحلية لمنح اللاعبين الصغار فرصًا تنافسية منتظمة، إلى جانب الاستثمار في الكوادر التدريبية المحلية والحفاظ عليها حتى تنضج أفكارها وهوياتها، كل ذلك ضمن خطة استراتيجية طويلة الأمد لا تقتصر على الصفقات الكبيرة، بل تقوم على بناء منظومات قادرة على إنتاج المواهب وضمان استمراريتها.
وعن الدوري السعودي، أوضح مينديز أنه شهد طفرة غير مسبوقة بفضل الاستثمارات الضخمة والصفقات العالمية التي رفعت مستوى الاحترافية وجذبت أنظار العالم وسرّعت التبادل التكتيكي، معتبرًا أن ذلك المشروع الطموح يعكس ما يمكن تحقيقه حين تتوفر الموارد والأهداف الواضحة، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن القوة الحقيقية ستنبع من تطوير اللاعبين المحليين وتأهيل المدربين وبناء هياكل شبابية قوية، بعيدًا عن الاعتماد المطلق على النجوم الأجانب.
وبالنسبة للموسم الجاري، توقع أن يكون دوري روشن أكثر كثافة من حيث اللعب الانتقالي وأكثر تنوعًا تكتيكيًا بخطط ضغط وتشكيلات مختلفة تبعًا للمنافسين، مع جاهزية بدنية أعلى. وأكد أن النجوم الأجانب سيعززون جودة الثلث الأخير من الملعب، غير أن الفرق القادرة على دمجهم ضمن أنظمة متماسكة وهوية واضحة ستكون الأنجح، مشيرًا إلى أن اللاعبين المحليين الشباب سيحصلون على مساحة أكبر إذا ما استثمرت الأندية في تطويرهم بجدية.
واختتم مينديز تصريحه بالتأكيد على أن طموحه الأساسي يتمثل في مواصلة نشر وتطوير منهجية تربط التدريب اليومي ببناء لاعبين وأندية على المدى الطويل، مبديًا انفتاحه على العودة إلى المنطقة العربية في حال وجود مشروع احترافي يتيح له فرصة لتأسيس هياكل قوية، مع الإشارة إلى أن أوروبا وأمريكا الجنوبية ما تزالان ساحات مثالية لمشاريع ذات بعد تنموي عميق مثل تجديد الأكاديميات أو تطوير الأندية أو التعليم الوطني، موضحًا أن ما يبحث عنه في النهاية هو مشروع يسمح بتطبيق نموذج متكامل يُطوّر الكوادر ويترك أثرًا هيكليًا مستدامًا.