حسن السلطان يكتب:”مراجعات تصريحات بن هامبورغ 3″

لا شك أن تصريح بن هامبورغ حول معوقات حضور الجماهير للمباريات في الملاعب السعودية، وضع إصبعه بدقة على جرحٍ قديمٍ ظلّ ينزف بصمت منذ سنوات، بن هامبورغ لخّص الأزمة في ثلاث نقاط واضحة وصريحة:
1. الازدحام المروري الخانق الذي يسبق ويلي أي مباراة كبرى.
2. مغادرة الجماهير المبكرة قبل صافرة النهاية هربًا من الازدحام نفسه.
3. الملاعب الكبيرة الباهتة وضعف خدمات الطعام التي لا تواكب حجم الحدث ولا تطلعات الجماهير.
هذه النقاط الثلاثة لا تمثل مجرد ملاحظات عابرة من مستثمر، بل تعكس واقعًا يوميًا يعايشه المشجع السعودي منذ عقود، المشكلة ليست في شغف الجماهير أو في ضعف المنافسة، بل في البيئة المحيطة بالتجربة الكروية نفسها، والتي لم تتطور بالسرعة التي تطورت بها بقية عناصر اللعبة.
في أوروبا، تصل الجماهير إلى الملاعب عبر شبكة متنوعة من وسائل النقل: مترو، حافلات، دراجات، وحتى ممرات مشاة مجهزة، أما في السعودية، فتكاد السيارة الخاصة تكون الوسيلة الوحيدة للوصول، ما يعني أن الحضور المبكر ليس خيارًا بل ضرورة للعثور على موقف قريب، والمغادرة المبكرة تصبح حلاً وحيدًا للهروب من ساعات الانتظار بعد المباراة، هذه التفاصيل الصغيرة تجعل تجربة الحضور أقل جاذبية مهما كانت أهمية المباراة.
إذا أردنا حلًا حقيقيًا، فلا بد أن نفكر خارج إطار “تحسين المواقف” أو “توسيع الطرق” فقط، و الحل يكمن في إعادة تعريف محيط الملعب بالكامل ليصبح وجهةً قائمةً بذاتها، لا مكانًا يرتاده الناس لساعتين ثم يغادرونه بسرعة.
من هنا تبرز فكرة المجمع السياحي المتكامل كأحد أكثر الحلول واقعية وفعالية، خاصة مع المشاريع الجديدة مثل ملعب أرامكو الذي سوف يلعب عليه نادي القادسية، هذا المجمع يجب أن لا يكون مول تجاري، بل مساحة ترفيهية وثقافية تضم على سبيل المثال:
* مطاعم وكافيهات بجودة عالية.
* مدينة ألعاب مصغرة للأطفال.
* متاحف للأطفال ومتحف شمع لنجوم الكرة.
* خدمات تجميل وصوالين للرجال والنساء.
عندما يتحول الملعب إلى وجهة ترفيهية متكاملة، فإن الحضور المبكر لن يكون اضطرارًا، بل نزهة عائلية ممتعة، يمكن للعائلات قضاء وقت قبل المباراة في الترفيه أو تناول الطعام، وبعد المباراة لا يكون الخروج العاجل أولوية، بل فرصة للجلوس وتحليل المباراة أو الاحتفال بالفوز.
الأهم أن مثل هذا المشروع لن يخدم المباريات فقط، بل سيجعل الملعب حيًا ونابضًا بالحياة طوال العام، ما يعني عوائد مالية ضخمة ووجهة سياحية جاذبة حتى لغير المهتمين بكرة القدم، وهو ما سيكون له أثر كبير في التحضير لكأس العالم 2034 واستقبال الزوار من مختلف أنحاء العالم.
تصريحات بن هامبورغ لم تكن انتقادًا سلبيًا بقدر ما كانت دعوة صريحة لمراجعة الواقع، فنحن أمام فرصة تاريخية لإعادة صياغة تجربة الحضور الكروي في السعودية لتصبح تجربة ترفيهية متكاملة، تنافس أكبر الملاعب الأوروبية وتتفوق عليها، و كرة القدم اليوم ليست 90 دقيقة فقط، بل منظومة متكاملة تبدأ من لحظة خروجك من المنزل ولا تنتهي إلا بعد ساعات من صافرة الختام.
وإذا ما تم استثمار هذه الرؤية في مشاريعنا المستقبلية، فربما تكون تصريحات بن هامبورغ الشرارة التي تدفعنا نحو مرحلة جديدة من تجربة المشجع السعودي.