المستشار أحمد الأمير: البريكان مثل نيمار وموقف الفتح أقوى

مع اقتراب صدور قرار مركز التحكيم الرياضي فيما يتعلق بالشكوى المقدمة من نادي الفتح ضد النادي الأهلي والتي اخذت ابعاداً كثيرة وازدياد التكهنات حول طبيعة ماسيصدر من قرارات توجهت صحيفة الكأس الى المستشار بالقانون الرياضي الدولي الأستاذ احمد الأمير بالسؤال عن وجهة نظره القانونية بالقضية والقرارت المتوقع صدورها وعليه فقد قدم الأستاذ احمد هذه الدراسة الشاملة لكل التفاصيل القانونية للقضية ومقاربتها مع قضية انتقال نيمار من برشلونة نترككم مع هذه الدراسة والتي جاءت بعنوان:
تحليل قانوني شامل: بنود الإنهاء والتعويض في عقود اللاعبين المحترفين:
فيما يخص دراسة مقارنة لقرار CAS 2021/A/8543 (باريس سان جيرمان ضد برشلونة) وتطبيقها على قضية فراس البريكان
المقدمة والخلفية القانونية
يمثل قرار محكمة التحكيم الرياضية CAS 2021/A/8543 (باريس سان جيرمان ضد برشلونة) دراسة قانونية حاسمة في مجال العقود الرياضية الدولية، خاصة فيما يتعلق بتصنيف بنود الإنهاء المبكر للعقود وتمييزها عن الشروط الجزائية التعويضية.
تركز هذه الورقة على التحليل القانوني الشامل لبنود عقد اللاعب البرازيلي نيمار دا سيلفا مع نادي برشلونة، والذي يُعتبر أحد أكثر العقود الرياضية تعقيداً وأهمية في التاريخ الحديث لكرة القدم. كما تهدف الورقة إلى تطبيق هذه الأحكام القانونية على قضية اللاعب السعودي فراس البريكان والنزاع الدائر بين نادي الفتح والنادي الأهلي، بهدف الخروج بنتائج قانونية محددة حول طبيعة البنود المتنازع عليها وآثارها القانونية والرياضية.
البند الثامن من عقد نيمار: الصياغة الكاملة والتحليل الموضوعي
تنظم بنود الإنهاء المختلفة في عقد نيمار مع برشلونة الطرق الشرعية المختلفة لإنهاء العلاقة التعاقدية بين اللاعب والنادي. البند الثامن من العقد بعنوان “Extinction of the Employment Contract” (انتهاء عقد العمل) يحتوي على أربعة أقسام فرعية (A, B, C, D)، كل منها ينظم حالة إنهاء محددة ومختلفة عن الأخرى. يمثل هذا البند الإطار القانوني الشامل الذي اتفق عليه الطرفان لإدارة العلاقة التعاقدية طوال مدة العقد، مما يعكس توازناً معقداً بين حقوق الطرفين والتزاماتهما.
القسم الأول من البند الثامن، المعروف بـ “البند 8(أ)”، ينظم حالة الإنهاء الطبيعي بانتهاء المدة المتفق عليها في العقد. ينص هذا القسم بصيغته الإنجليزية على: “A) Upon expiry of the agreed term: the PLAYER can freely decide his professional options, being able to sign a contract with another sports entity in accordance with article 18.3 of the FIFA REGULATIONS on the Status and Transfer of Players.” الترجمة العربية الدقيقة لهذا النص تكون كالتالي: “عند انتهاء المدة المتفق عليها: يمكن للاعب أن يقرر بحرية خياراته المهنية، حيث يكون قادراً على التوقيع مع كيان رياضي آخر وفقاً للمادة 18.3 من لائحة الفيفا الخاصة بأوضاع وانتقالات اللاعبين.” هذا البند لا يمثل بنداً جزائياً أو بند تسريح، بل مجرد إقرار قانوني بحق اللاعب في الانتقال الحر عند انتهاء العقد الطبيعي، وهو حق معترف به دولياً في جميع الأنظمة الرياضية.
القسم الثاني، “البند 8(ب)”، ينظم حالة الإنهاء المتفاوض عليه والذي يتم بالاتفاق المتبادل بين الطرفين. الصيغة الإنجليزية للبند تنص على: “B) By mutual agreement between the Parties: Both parties can, at any time, agree on the early termination and its consequences.” الصيغة العربية الصحيحة هي: “بالاتفاق المتبادل بين الطرفين: يمكن لكلا الطرفين، في أي وقت، الاتفاق على الإنهاء المبكر وعواقبه.” كما هو واضح من النص، هذا البند يعترف بحق الطرفين في التفاوض والاتفاق على إنهاء العقد في أي وقت يرغبانه، دون تحديد مسبق للتعويضات أو الشروط، مما يعكس مرونة العلاقة التعاقدية.
القسم الرابع، “البند 8(د)”، ينظم حالة متخصصة وهي تقاعد اللاعب من الاحتراف كلياً. الصيغة الإنجليزية الكاملة للبند تنص على: “D) By decision of the PLAYER, to abandon his job as a professional athlete. If the PLAYER decides to stop being a professional athlete during the term of the [Employment Contract], he shall give at least two months’ prior notice to the end of the current season. In this case, he is not obliged to pay the compensation mentioned in the previous paragraph, but he shall compensate the CLUB with the reimbursement of the non-amortized costs of the CLUB according with objective criteria (proportional part of the transfer fee, and any other part that has been incurred in connection with the signing of the PLAYER, only counting the period of the first contract signed by the parties for the seasons 2013/14 to 2017/2018, except for what was received by the latter as salary).” الترجمة العربية المحترفة لهذا النص تكون: “د) بقرار من اللاعب، لترك عمله كرياضي محترف. إذا قرر اللاعب التوقف عن كونه رياضياً محترفاً خلال مدة عقد العمل، يجب عليه إعطاء إشعار مسبق لمدة شهرين على الأقل قبل نهاية الموسم الحالي. في هذه الحالة، هو غير ملزم بدفع التعويض المذكور في الفقرة السابقة، ولكن يجب عليه تعويض النادي بسداد التكاليف غير المطفأة للنادي وفقاً لمعايير موضوعية (الجزء النسبي من رسوم الانتقال، وأي جزء آخر تم تكبده فيما يتعلق بتوقيع اللاعب، مع احتساب فترة العقد الأول الموقع بين الطرفين للمواسم 2013/٢٠١٤ إلى 2017/2018 فقط، باستثناء ما حصل عليه الأخير كراتب).” هذا البند يتعامل مع حالة استثنائية جداً وهي تقاعد اللاعب من الاحتراف كلياً، مما يعكس الحرص على حماية الطرفين في ظروف استثنائية.
بند التسريح الأحادي: القسم الثالث من البند الثامن
القسم الثالث من البند الثامن، وهو “البند 8(ج)”، يمثل الحكم الأكثر أهمية وتعقيداً في العقد، والذي أثار نزاعاً قانونياً طويلاً أمام محكمة التحكيم الرياضية. هذا البند ينظم حالة إنهاء اللاعب العقد بقرار أحادي (unilateral decision)، وهو يختلف جوهرياً عن الحالات الأخرى من حيث أنه يمنح اللاعب حقاً فردياً في الإنهاء المبكر. الصيغة الإنجليزية الكاملة والدقيقة للبند تنص على ما يلي:
“C/ By unilateral decision of the PLAYER to provide his services to another Club, Federation or sports entity. International federative rules, as well as the communitarian and international usages and customs, prohibit that during the term of a contract, a player can terminate his contract, without just cause or sporting just cause, in order to provide his services to another club, Federation or sports entity in the temporal terms contained in its regulatory rules, such as the FIFA Regulations on the Status and Transfer of Players. However, the [Royal Decree], in its article 16, gives the parties the right to agree to a compensation in case the PLAYER decides to unilaterally terminate the [Employment Contract], without just cause or sporting just cause. FIFA admits the application of the aforementioned [Royal Decree] given that it is a public order provision that cannot be superseded by private law regulations. As a consequence, the PLAYER can terminate the present [Employment Contract] without being subject to any period of stability or compulsory term (“protected period” / “free period” in FIFA terminology), or eventual sanctions related to such terms, as long as the PLAYER indemnifies [FC Barcelona] in the amount and terms that are hereinafter established by mutual agreement of the parties. This compensatory clause shall apply in any event of early termination without just cause (and, therefore, are excluded from its application, cases of corporate withdrawal, mutual agreement, just cause and sporting just cause, in accordance with the provisions of the FIFA REGULATIONS on the Status and transfer of Players) before the natural termination of the [Employment Contract], including the appropriate disciplinary dismissal, and provided that the agreement with another Club is reached before the final expiry of his contract, had the [Employment Contract] been in force. By mutual agreement, the parties establish that, in case of this cause for termination, the compensation that the PLAYER, in accordance with art. 16 of the [Royal Decree] shall pay in cash on the date of termination to [FC Barcelona] amounts to the sum of TWO HUNDRED MILLION EUROS (€200,000,000) until 30 June 2017, TWO HUNDRED TWENTY-TWO MILLION EUROS (€222,000,000) as from 1 July 2017 until 30 June 2018 and TWO HUNDRED FIFTY MILLION EUROS (€250,000,000) if applicable as from 1 July 2018 until the expiration, plus taxes, if any. The PLAYER cannot terminate the present [Employment Contract], nor does [FC Barcelona] authorize the transfer of his federative license, nor can the PLAYER be contracted by a club or sports entity of any level, if the compensatory payment agreed herein plus taxes, if any, has not been paid in full beforehand.”
الترجمة العربية الدقيقة والمحترفة للنص بأكمله تكون كالتالي:
“ج/ بقرار أحادي من اللاعب لتقديم خدماته لنادٍ أو اتحاد أو كيان رياضي آخر. القواعد الاتحادية الدولية، وكذلك الأعراف والعادات المجتمعية والدولية، تحظر أن يتمكن اللاعب خلال مدة العقد من إنهاء عقده بدون سبب عادل أو سبب رياضي عادل، من أجل تقديم خدماته لنادٍ أو اتحاد أو كيان رياضي آخر في الشروط الزمنية الواردة في قواعده التنظيمية، مثل لائحة الفيفا الخاصة بأوضاع وانتقالات اللاعبين. ومع ذلك، فإن المرسوم الملكي، في مادته السادسة عشرة، يمنح الأطراف الحق في الاتفاق على تعويض في حالة قرر اللاعب إنهاء عقد العمل بشكل أحادي، بدون سبب عادل أو سبب رياضي عادل. وتعترف الفيفا بتطبيق المرسوم الملكي المذكور أعلاه نظراً لأنه حكم من النظام العام لا يمكن تجاوزه بموجب أنظمة القانون الخاص. ونتيجة لذلك، يمكن للاعب إنهاء عقد العمل الحالي دون أن يخضع لأي فترة استقرار أو مدة إلزامية (“فترة محمية” / “فترة حرة” في مصطلحات الفيفا)، أو عقوبات محتملة متعلقة بمثل هذه الشروط، طالما أن اللاعب يعوض نادي برشلونة بالمبلغ والشروط المحددة فيما بعد بالاتفاق المتبادل بين الطرفين. يطبق هذا البند التعويضي في أي حالة إنهاء مبكر بدون سبب عادل (وبالتالي تُستثنى من تطبيقه حالات الانسحاب المؤسسي والاتفاق المتبادل والسبب العادل والسبب الرياضي العادل، وفقاً لأحكام لائحة الفيفا الخاصة بأوضاع وانتقالات اللاعبين) قبل الإنهاء الطبيعي لعقد العمل، بما في ذلك الفصل التأديبي المناسب، وشريطة أن يتم التوصل إلى اتفاق مع نادٍ آخر قبل انتهاء العقد النهائي، لو كان عقد العمل سارياً. وباتفاق متبادل، يحدد الطرفان أنه في حالة هذا السبب للإنهاء، فإن التعويض الذي سيدفعه اللاعب، وفقاً للمادة 16 من المرسوم الملكي، نقداً في تاريخ الإنهاء إلى نادي برشلونة يبلغ مبلغ مائتي مليون يورو (200,000,000 يورو) حتى 30 يونيو 2017، ومائتان واثنان وعشرون مليون يورو (222,000,000 يورو) اعتباراً من 1 يوليو 2017 حتى 30 يونيو 2018، ومائتان وخمسون مليون يورو (250,000,000 يورو) إن كان ذلك قابلاً للتطبيق اعتباراً من 1 يوليو 2018 حتى انتهاء العقد، بالإضافة إلى الضرائب، إن وجدت. ولا يمكن للاعب إنهاء عقد العمل الحالي، ولا يأذن نادي برشلونة بنقل شهادة تسجيله الدولية، ولا يمكن للاعب التعاقد مع أي نادٍ أو كيان رياضي من أي مستوى، ما لم يتم دفع المبلغ التعويضي المتفق عليه هنا بالإضافة إلى الضرائب، إن وجدت، بالكامل مسبقاً.”
الطبيعة القانونية لبند التسريح: بند شراء وليس شرط جزائي
المسألة الأساسية والمحورية التي أثارت نزاعاً قانونياً طويلاً أمام محكمة التحكيم الرياضية هي تحديد الطبيعة القانونية للبند 8(ج). كانت المحكمة مطالبة بالإجابة على السؤال الجوهري التالي: هل البند 8(ج) يمثل “بند شراء” (Buy-Out Clause) يمنح اللاعب حقاً قانونياً في الإنهاء المبكر، أم أنه “شرط جزائي تعويضي” (Liquidated Damages Clause) يحدد فقط عواقب الخرق بدون منح اللاعب حقاً في الإنهاء؟
احتج نادي باريس سان جيرمان بأن البند 8(ج) يجب أن يُصنف على أنه شرط جزائي وليس بند شراء. استند باريس في حجته إلى عدة نقاط قانونية قوية. أولاً، أشار باريس إلى تسمية البند الذاتية، حيث أن البند يُسمى نفسه “cláusula indemnizatoria” (بند تعويضي)، مما قد يشير إلى أنه شرط جزائي. ثانياً، احتج باريس بأن البند يشير إلى “التعويض” (compensation)، وهو مصطلح يُستخدم عادة في السياق الجزائي أو التعويضي. ثالثاً، أشار باريس إلى أن البند مرتبط بالمادة 17 من اللائحة الدولية لأوضاع وانتقالات اللاعبين، التي تنظم التعويضات في حالات خرق العقد بدون سبب عادل. رابعاً، احتج باريس بعدة قضايا سابقة أمام محكمة التحكيم الرياضية، حيث تم تصنيف بنود مماثلة على أنها شروط جزائية، منها CAS 2016/A/4585 و CAS 2013/A/3411 و CAS 2010/A/2098.
من جهة أخرى، احتج نادي برشلونة بأن البند 8(ج) يجب أن يُصنف على أنه بند شراء حقيقي. استند برشلونة في حجته إلى عدة عناصر قانونية مهمة. أولاً، أشار برشلونة إلى الصياغة اللغوية للبند، التي تستخدم كلمات مثل “can” و “right” و “mutual agreement”، مما يشير إلى منح حق وليس فرض عقوبة. ثانياً، أكد برشلونة أن البند ينص صراحة على أن اللاعب “يمكنه الإنهاء دون الخضوع لأي عقوبات رياضية”، مما يميزه عن حالات الخرق. ثالثاً، أشار برشلونة إلى أن البند ينص على التزام برشلونة بإصدار شهادة النقل الدولية (ITC) عند دفع المبلغ، مما يشير إلى موافقة مسبقة من النادي. رابعاً، سلط برشلونة الضوء على وثيقة التسليم (Certificate) التي وقّعتها برشلونة وأكدت فيها أنها ستأذن بنقل اللاعب فور استلام المبلغ المحدد.
حكمت محكمة التحكيم الرياضية بقرار واضح وقاطع لصالح تصنيف البند 8(ج) على أنه بند شراء وليس شرط جزائي. استندت المحكمة في قرارها إلى ستة عوامل حاسمة ومترابطة. أولاً، أكدت المحكمة على أهمية استخدام كلمة “may” (قد/يمكن)، حيث أن هذه الكلمة توحي بأن اللاعب له حق أو خيار في الإنهاء وليس مجرد تحديد لعواقب الخرق. قررت المحكمة بوضوح: “The Panel considers the reference to ‘may’ important, as ‘may’ suggests that the Player has a right or option to terminate the Employment Contract early under the conditions set forth in clause 8(c).” ثانياً، أشارت المحكمة إلى الإشارة إلى “الاتفاق المتبادل” (mutual agreement)، حيث أن البند ينص على “By mutual agreement, the parties establish that… the compensation… amounts to the sum of TWO HUNDRED TWENTY-TWO MILLION EUROS.”، مما يؤكد الطبيعة التوافقية والاتفاقية للبند. ثالثاً، لاحظت المحكمة أن البند ينص صراحة على عدم فرض عقوبات رياضية على اللاعب: “the PLAYER can terminate the present [Employment Contract] without being subject to any period of stability or compulsory term… or eventual sanctions related to such terms.”، مما يميزه عن حالات الخرق الفعلي.
رابعاً، أكدت المحكمة على أهمية التزام نادي برشلونة بإصدار شهادة النقل الدولية (ITC). قررت المحكمة: “The Panel finds that in particular the latter aspect indicates that FC Barcelona voluntarily consented in advance to release the Player if the relevant buy-out fee of EUR 222,000,000 would be paid.” خامساً، شددت المحكمة على أهمية وثيقة التسليم (Certificate) التي وقّعتها برشلونة. نصّت الوثيقة على: “In accordance with the stipulations of Clause 8 of the [Employment Contract], [FC Barcelona] will authorize the transfer of the Player’s Federative License to PSG, provided that… the amount of 222.000.000 Euros… is available in [FC Barcelona’s] bank account.” ساداً وأخيراً، ميزت المحكمة بين قضية نيمار والقضايا السابقة التي استشهد بها باريس، موضحة أن القضايا السابقة لم تتضمن الالتزامات الصريحة والموثقة التي كانت موجودة في عقد نيمار.
خلاصة القرار الحاسم من المحكمة كانت: “Accordingly, the Panel finds that clause 8(c) is to be qualified as a buy-out clause as opposed to a liquidated damages clause.”
غياب الشرط الجزائي المتبادل في عقد نيمار
بعد الفحص الدقيق والشامل لجميع أقسام البند الثامن من عقد نيمار (الأقسام A, B, C, D)، يتضح بما لا يدع مجالاً للشك أن عقد نيمار لم يتضمن أي شرط جزائي متبادل (Reciprocal Penalty Clause). هذه حقيقة قانونية مهمة جداً لأن الشرط الجزائي المتبادل، في تعريفه القانوني الصحيح، هو حكم عقدي يحدد مبالغ التعويضات المستحقة من أي من الطرفين إذا أنهى الطرف الآخر العقد بدون سبب مشروع. بعبارة أخرى، في الشرط الجزائي المتبادل، يكون هناك توازن حقيقي بين حقوق الطرفين والتزاماتهما.
الدليل الأساسي على عدم وجود شرط جزائي متبادل هو غياب أي نص في العقد يحدد تعويضات مستحقة للاعب في حالة قيام نادي برشلونة بإنهاء العقد بدون سبب عادل. البند 8(ج) هو البند الوحيد الذي يحدد مبلغاً مالياً محدداً (222 مليون يورو)، وهذا المبلغ يُدفع من اللاعب إلى النادي فقط في حالة إنهاء اللاعب للعقد. لا يوجد في أي مكان من العقد نص مماثل يحدد مبلغاً يدفعه النادي للاعب في حالة إنهاء النادي للعقد بدون سبب عادل.
هذا الغياب الكامل للتبادلية يعكس فلسفة قانونية واضحة وحتمية: بند الشراء (Buy-Out Clause) يمنح حقاً فردياً للاعب ولا يمكن أن يكون متبادلاً بطبيعته. السبب بسيط جداً: النادي يملك أصلاً سلطة بيع اللاعب والتصرف في خدماته في السوق الحرة. إذا منح العقد النادي أيضاً “حق شراء” إضافي (أي حق إنهاء مقابل دفع مبلغ للاعب)، فإن هذا سيكون “عديم المعنى قانوناً” لأن النادي يملك هذا الحق بالفعل.
في حالة نيمار، الصياغة الدقيقة والموثقة للبند 8(ج)، مقترنة بوثيقة التسليم الموقعة من برشلونة، تؤكد بوضوح أن العقد تضمن “بند شراء أحادي” (Unilateral Buy-Out Clause) للاعب فقط، وليس شرطاً جزائياً متبادلاً.
غياب الشرط التعويضي للإنهاء غير المشروع
السؤال الثاني المهم هو: هل تضمن عقد نيمار شرطاً تعويضياً محدداً مسبقاً في حالة الإنهاء غير المشروع من أي من الطرفين؟ الإجابة القاطعة هي: لا، عقد نيمار لم يتضمن أي شرط تعويضي محدد مسبقاً للإنهاء غير المشروع من أي من الطرفين. هذه حقيقة قانونية أساسية تختلف تماماً عن وجود بند جزائي.
البند 8(ج) الذي يحتوي على مبلغ 222 مليون يورو ليس شرطاً تعويضياً للإنهاء غير المشروع، بل هو “حق” يمنح اللاعب القدرة على الإنهاء المبكر بموافقة مسبقة من النادي. الفرق القانوني هنا حاسم جداً: التعويض (compensation) يُفرض كعاقبة لخرق العقد، بينما المبلغ في البند 8(ج) يُدفع مقابل حق الإنهاء المبكر، وهي حالة مختلفة تماماً.
في حالة الإنهاء غير المشروع الفعلي (أي إنهاء يحدث خارج البند 8ج)، فإن اللائحة الدولية لأوضاع وانتقالات اللاعبين بالفيفا (وخاصة المادة 17) تنطبق تلقائياً لتحديد التعويضات والعقوبات. غير أن عقد نيمار نفسه لم يحدد مسبقاً أي مبالغ تعويضية لهذه الحالات. هذا يعني أن في حالة نزاع حول إنهاء غير مشروع، كان يجب على غرفة تسوية النزاعات أو محكمة التحكيم الرياضية أن تحدد المبلغ المستحق من خلال تقييم موضوعي للأضرار، وليس من خلال بند محدد مسبقاً في العقد.
قررت محكمة التحكيم الرياضية هذه النقطة بوضوح عندما قالت: “The Panel finds that clause 8(c) provided the Player with a right or discretion to terminate the Employment Contract early as long as he would comply with the requirement of paying the buy-out fee of EUR 222,000,000, rather than determining in advance the consequences of a breach of contract by the Player.”
الفرق بين بند الشراء والشرط الجزائي:
من المهم جداً فهم الفرق القانوني الجوهري بين بند الشراء وبند الشرط الجزائي، لأن هذا الفرق يحدد الآثار القانونية والرياضية بشكل جذري. بند الشراء يمنح حقاً قانونياً فردياً للاعب (أو طرف واحد) في الإنهاء المبكر للعقد، وهذا الحق يكون مبنياً على موافقة مسبقة من النادي (الطرف الآخر). بعبارة أخرى، النادي يوافق مسبقاً على السماح للاعب بالانتقال إذا دفع مبلغاً محدداً. هذه الموافقة المسبقة تجعل عملية الانتقال قانونية تماماً ولا تشكل “خرقاً” للعقد، او عقوبات رياضية.
من ناحية أخرى، الشرط الجزائي التعويضي يحدد مبلغاً مالياً يُستحق في حالة خرق العقد بدون سبب عادل. بعبارة أخرى، النادي لا يوافق على الإنهاء مسبقاً، لكنه يحدد مسبقاً المبلغ الذي سيتقاضاه إذا أنهى اللاعب العقد بدون سبب عادل. الفرق الجوهري هو أن الشرط الجزائي يعامل الإنهاء كـ “خرق”، بينما بند الشراء يعامله كـ “حق متفق عليه”.
هذا الفرق له آثار قانونية وعملية كبيرة جداً. في حالة بند الشراء، الإنهاء قانوني تماماً ولا تنطبق عليه العقوبات الرياضية بموجب اللائحة الدولية لأوضاع وانتقالات اللاعبين. في حالة الشرط الجزائي، الإنهاء يُعتبر خرقاً، وتنطبق عليه أحكام المادة 17 من اللائحة الدولية، بما في ذلك العقوبات الرياضية.
تطبيق المبادئ على قضية فراس البريكان
الآن، عندما نطبق هذه المبادئ القانونية الدقيقة على قضية فراس البريكان والنزاع بين نادي الفتح والنادي الأهلي، يصبح الوضع القانوني واضحاً تماماً. بناءً على تصريح رئيس نادي الفتح، ووكيل اللاعب، بأن البند في عقد البريكان هو “شرط جزائي متبادل”، فإن هذا التصريح يشكل دليلاً قوياً جداً على أن البند ليس بند شراء بالمعنى الذي وضحته محكمة التحكيم الرياضية في قضية نيمار.
السبب بسيط: بنود الشراء لا يمكن أن تكون متبادلة بطبيعتها. إذا كان البند يمنح الفتح أيضاً حق الإنهاء عند دفع مبلغ محدد، فإن هذا يجعل البند “شرطاً جزائياً متبادلاً” وليس “بند شراء أحادي”. هذا الفرق ليس مجرد مسألة تسميات أو مصطلحات، بل هو فرق قانوني جوهري له آثار مباشرة على تقييم الحالة.
في قضية نيمار، محكمة التحكيم الرياضية ركزت على عدة عناصر لتحديد طبيعة البند: الصياغة اللغوية، الالتزام بإصدار ITC، وثيقة التسليم، عدم فرض عقوبات رياضية، والموافقة المسبقة من النادي. في قضية البريكان، بناءً على المعلومات المتاحة، يبدو أن بعض هذه العناصر غائبة
أولاً، غير واضح ما إذا كان هناك نص صريح على عدم فرض عقوبات رياضية في عقد البريكان، على عكس ما كان موجوداً في عقد نيمار.
ثانياً، لم يُكشف عن وجود التزام صريح من الفتح بإصدار شهادة النقل الدولية (ITC)، او بمعنى اصح الموافقة منح الموافقة للتفاوض مع اللاعب، على عكس ما كان موجوداً في عقد نيمار.
ثالثاً، أصدر الفتح بياناً ينفي الموافقة المسبقة، وصف فيه إنهاء البريكان بأنه “مفاجأة”، على عكس وثيقة التسليم الموقعة من برشلونة في قضية نيمار.
رابعاً، والأهم، أن التبادلية المذكورة في البند (حسب تصريح رئيس الفتح ووسيط اللاعب) تجعل من المستحيل تصنيفه كبند شراء حقيقي.
وبالتالي، فإن التحليل القانوني يشير بقوة إلى أن البند في عقد البريكان هو شرط جزائي متبادل وليس بند شراء أحادي. هذا التصنيف يترتب عليه آثار قانونية وعملية كبيرة جداً تختلف عن آثار بند الشراء في قضية نيمار.
الخلاصة والنتائج النهائية
بعد هذا التحليل الشامل والمقارن، يمكننا الخروج بالنتائج التالية:
أولاً، عقد نيمار مع برشلونة تضمن بند تسريح أحادي (Buy-Out Clause) في البند 8(ج)، وليس شرطاً جزائياً متبادلاً. هذا البند منح اللاعب حقاً قانونياً في الإنهاء المبكر مقابل دفع مبلغ محدد (222 مليون يورو).
ثانياً، عقد نيمار لم يتضمن أي شرط جزائي متبادل يمنح النادي حق إنهاء مماثل.
ثالثاً، عقد نيمار لم يتضمن أي شرط تعويضي محدد مسبقاً للإنهاء غير المشروع من أي من الطرفين. في حالة الإنهاء غير المشروع، كانت ستنطبق المادة 17 من لائحة الفيفا تلقائياً.
رابعاً، قضية البريكان مختلفة جذرياً لأن البند المعني هو (بناءً على المعلومات المتاحة) شرط جزائي متبادل وليس بند شراء حقيقي.
خامساً، هذا الفرق الجوهري يترتب عليه آثار قانونية وعملية كبيرة جداً، حيث أن موقف نادي الفتح القانوني قد يكون أقوى من موقف برشلونة في قضية نيمار.
سادساً، الدرس الأهم هو أن العبرة ليست بالتسميات والمصطلحات المستخدمة في العقد، بل بالمضمون الحقيقي والصياغة الدقيقة والآثار القانونية الفعلية. محكمة التحكيم الرياضية في قضية نيمار ركزت على العناصر الموضوعية والملموسة (الصياغة اللغوية، الالتزامات المكتوبة، الموافقة الموثقة) بدلاً من الاعتماد فقط على أسماء البنود.
هذا التحليل الشامل يوفر إطاراً قانونياً واضحاً ودقيقاً لفهم الفروقات بين أنواع مختلفة من بنود الإنهاء والتعويض في العقود الرياضية، ويفتح الباب أمام تطبيق المبادئ نفسها على قضايا رياضية أخرى.



