كوراساو والمعجزة الكاريبية: أصغر دولة تتأهل إلى مونديال 2026

الكأس – عكاشة الأنصاري
في خضمّ سباق الكبار وضجيج المليارات، تشرق علينا قصص كروية تُبنى بالإرادة لا بالمال. هكذا بدأت حكاية منتخب كوراساو، الجزيرة الكاريبية الصغيرة التي لم يكن عدد سكانها سوى 156 ألف نسمة، لكنها حجزت مكانها في نهائيات كأس العالم 2026.
الجزيرة، التي يُطلق عليها اسم كوراساو أي “القلب” باللغة البرتغالية، لم تعد معروفة فقط بالمباني الملونة التي تزين عاصمتها ويلمستاد، بل أصبحت اليوم أصغر دولة تتأهل تاريخيًا إلى المونديال. العاصمة ذاع اسمها بعد التأهل التاريخي، حتى صارت منافسًا للعواصم الكبرى في المنطقة.
هذا الإنجاز ليس مجرد فوز في مباراة، بل رحلة ثقافية ورياضية تصنع معنى جديدًا للهويّة والانتماء، حيث يُظهر حجم الحلم والإصرار أكثر من حجم الدولة على الخريطة.
الإبحار بـ”الموجة الزرقاء”: مسيرة تاريخية وإصرار
لم يكن هذا الإنجاز وليد اللحظة، بل نتاج تاريخ طويل من الشغف بدأ مع تأسيس اتحاد كرة القدم في كوراساو (FFK) عام 1921.
ومع المدرب الهولندي المخضرم ديك أدفوكات، انطلقت خطة التأهل لمونديال 2026، لتتحول الموجة الزرقاء إلى كيان موحد يجمع بين اللاعبين المحليين وأبناء المهجر الهولنديين. في الدور الثاني من التصفيات، قاد الفريق مجموعته بالعلامة الكاملة، محققًا الانتصار تلو الآخر على هايتي وفرق أخرى.
خلود الأسطورة في التأهل
في خضم هذا الإنجاز، خلدت الجماهير لحظة تاريخية في الملعب الوطني الذي يحمل اسم الأسطورة والحارس الراحل إرجيليو هاتو. هاتو، الذي عُدَّ أسطورة البلاد في الخمسينات الميلادية، كان طموحه أن يجعل كوراساو على خريطة العالم بكرة القدم وليس بمحيط الجزيرة فقط. هذا التأهل يحيي تلك الأعوام، ويؤكد أن الجيل الحالي قد حمل طموح هاتو ليضعه واقعًا ملموسًا.
طريق التأهل الصعب
في الدور الأخير، لم يكن الطريق سهلاً، إذ واجه كوراساو عمالقة الكاريبي مثل جامايكا وترينيداد وتوباغو وبرمودا. لكن الفريق فرض نفسه متصدرًا دون أي هزيمة، بعد فوز حاسم على جامايكا (2-0) وسحق برمودا (7-0)، ثم صمد أمام الضغط في كينغستون ليضمن بطاقة التأهل.
كرة القدم والهوية: اللاعبون وجسر الانتماء
إن قصة كوراساو في مونديال 2026 تتجاوز أرقام المباريات والإحصائيات، فهي قصة هوية وانتماء. اللاعبون الذين تدرّبوا في هولندا، مثل أرماندو أوبيسبو، يورغن لوكاديا، الأخوين لياندرو وجونيور باكونا، جاؤوا ليصنعوا جسرًا بين الاحترافية الأوروبية والشغف الكاريبي.
هؤلاء اللاعبون لم يمثلوا أنفسهم فقط، بل أعادوا صياغة صورة الجزيرة في العالم. الشوارع في كوراساو تتحول يوميًا إلى ملاعب، حيث يمارس اللاعبون التدريب ويصقلون مهاراتهم رغم قلة الموارد الرسمية.
البُعد الاقتصادي: مكاسب التنمية
بعيدًا عن الملعب، يمتد أثر التأهل إلى البُعد الثقافي والاقتصادي. فمكافأة المشاركة الأولية في مونديال 2026، التي تبلغ نحو 13 مليون دولار، تشكل حوالي 0.41% من الناتج المحلي الإجمالي للجزيرة، وهو دعم كبير لدولة صغيرة.
الأثر لا يقتصر على المال، بل يشمل تعزيز الثقافة الرياضية، التعليم، والمشاريع التنموية، مما يجعل كرة القدم محركًا للتغيير الاجتماعي والثقافي.
كوراساو وهولندا: تناغم فريد في المونديال
الجميل في هذه القصة هو البُعد الثقافي: هولندا تشارك في المونديال عبر منتخبين؛ الأول الهولندي الرسمي، والثاني كوراساو الذي يضم أبناء الجذور الكاريبية. هؤلاء اللاعبون جلبوا معهم الانضباط الأوروبي والشغف الكاريبي، ليجسدوا تناغمًا ثقافيًا ورياضيًا فريدًا.
رسالة الإرادة: حلم أكبر من حجم الجزيرة
لقد أثبتت كوراساو للعالم أن الحجم لا يصنع الإنجاز، بل الإرادة والحلم. في مونديال 2026، لن تكون مشاركتهم شكلية، بل رمزًا لكل من رفض البقاء مجرد نقطة على الخريطة، وقرر أن يكون نجمة مضيئة في سماء كرة القدم العالمية.
هل ستستمر أحلام منتخب الجزيرة القابعة جنوب البحر الكاريبي بحصد نتائج إيجابية بكأس العالم 2026، أم أن أحلامهم بالكاد تجاوزت البحر الكاريبي؟



