خالد النبريص .. من خيام الحرب إلى نجومية كأس العرب

الكأس – علاء شمالي
في غزة، لم تكن الكرة مجرد لعبة، كانت وسيلة نجاة. وحين اشتعلت الحرب وانهالت البيوت على ساكنيها، لم يهرب خالد النبريص بقدمي لاعب كرة، بل بقدمي شاب يحمل حُلمًا أكبر من الركام.
ستة أشهر كاملة لم تلمس أصابعه كرة، حين كانت السماء مشغولة بالقصف، والأرض مشغولة بالنزوح، وهو مشغول فقط بأن يبقى حيًا.
نزح مع عائلته. نام في الخيام. وقف في طوابير الخبز والماء. شحن هاتفه عند أبواب المراكز وفي شوارع لا تعرف الكهرباء. عاش الجوع والبرد، وتدفأ على حطب لا يكفي لليلة واحدة. رأى القذائف تسقط بجواره، ونجا منها لأنه ما زال مدعوًا لموعد لم يتخلف عنه: موعد مع الحياة.
ومثل آلاف الشباب في غزة، كان يمكن لهذه المعاناة أن تطفئ شغفه، لكنها أشعلته. فحين أُتيحت له فرصة الخروج إلى الملاعب من جديد، لم يحمل على كتفيه قميص منتخب فقط، بل حمل كل تلك الليالي السوداء التي صنعت منه لاعبًا آخر… رجلًا قبل أن يكون مهاجمًا.
اليوم، يتصدر خالد المشهد العربي في كأس العرب، ليس لأنه سجل أو صنع، بل لأنه وصل. لأنه نهض من مأساة لا تتكرر. لأنه عاد من حرب لم تُبقِ لأبناء جيله إلا بعض الصور، وبعض الرماد، وبعض الأمل.
نكتب كثيرًا عن قصص اللاعبين في البرازيل وأوروبا، عن من تركتهم زوجاتهم، أو من كبروا في الأحياء الفقيرة، لكننا نغفل أن بيننا قصة لا تقل قوة عن تيفيز، ولا إصرارًا عن روماريو، ولا نشأة صعبة مثل روبيرتو كارلوس. قصة اسمها خالد النبريص، قصة فلسطينية خالصة، تستحق أن تُروى للعالم.
هو ليس نجمًا عابرًا. هو فخر مدينة أنهكها الحصار، وجيل خطف الاحتلال منه كل شيء.
يقف خالد النبريص اليوم في كأس العرب ممثلًا لفلسطين، لا بصفته لاعبًا فحسب، بل شاهدًا حيًّا على قدرة الإنسان على تجاوز الجراح وصناعة الأمل من قلب المأساة.
مسيرته، الممتدة من خيام النزوح إلى ملاعب البطولات، تُجسّد صورة صادقة لصمود الشعب الفلسطيني وإصرار شبابه على الحياة، وتستحق أن تُروى كإحدى أبرز قصص الكفاح الرياضي في العالم العربي.



