التقارير والحوارات

الإعلانات المضللة في وسائل التواصل الاجتماعي: بين الواقع والوهم

 

إعداد
ماريا فراج الدوسري
رغد سلطان العتيبي
روان ذايب العتيبي

 

لم تكن حنان تتوقع أن إعلانًا استثماريًا يعد بربح خيالي سيقودها إلى خسارة فادحة، لكنها كانت ضحية وعد زائف. إعلان بسيط، كُتب بخطوط جذابة: “ادفع ألفًا.. تربح عشرة آلاف خلال شهر”، بدا كفرصة العمر. اشترت سهمين، قدّمت بياناتها، وفي لحظة واحدة اختفى كل شيء؛ سُحب المبلغ من حسابها، أُغلقت الأرقام، وتبدّد الأمل. ولليوم، بقيت حنان تواجه خسارتها، وتقول بحسرة يمتزج فيها الغبن بالندم: “لليوم ماقدرت أرجّع المبالغ للأسف”.

قصة حنان ليست استثنائية؛ فوفق نتائج استبيان أجريناه، ٨٦.١٪ من المشاركين سبق أن تأثروا بإعلان اشتروا، بموجبه، منتجًا اتضح لاحقًا أنه لا يمثل الواقع. هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل إشارات تحذيرية لصورة أوسع، تكشف كيف أن وعودًا براقة يمكن أن تتحول سريعًا إلى شباك فخاخ، تصطاد الطموحات والأحلام.

في كل يوم، هناك وجوه جديدة تتعرض لهذه الفخاخ؛ أشخاص عاديون يسعون فقط لتحسين حياتهم، قبل أن يكتشفوا أنهم وقعوا ضحية لعب بارع على الثقة والطموح. وليس الأمر مجرد خسارة مالية، بل درس عن هشاشة حماية المستهلك أمام أساليب خداع متطورة، وعن الحاجة الماسة لوعي جماعي يكتشف علامات الخطر قبل فوات الأوان. في عالم يزداد فيه اعتمادنا على المنصات الرقمية والإعلانات الإلكترونية، تصبح كل خطوة غير محسوبة محفوفة بالمخاطر، وكل وعد مشرق قد يخفي وراءه كارثة حقيقية.

ما يثير القلق أكثر هو أن هذه الإعلانات ليست مجرد محتوى بسيط؛ إنها شبكات مُحكمة من الجاذبية الرقمية، مُصمّمة لإقناع المستهلك بسرعة، تُغريه بربح سريع، ثم تُغلق كل الأبواب في وجهه، تاركة ضحاياها مع شعور بالعجز والغضب.

قصة حنان اليوم ليست مجرد تحذير؛ إنها مرآة لواقع يتسع يومًا بعد يوم، واقع تتنامى فيه الأساليب الخادعة، وتتعاظم فيه قدرة الإعلانات على اختراق الثقة، مستغلة مشاعر الناس ورغبتهم في تحسين حياتهم. ورغم وجود رقابة وأنظمة، إلا أنّ الفجوات التي تتسلل منها مثل هذه الممارسات أوسع مما يبدو.
ومع اتساع منصات النشر وغياب مؤشرات واضحة تفرق بين الموثوق والوهمي، يجد الجمهور نفسه في منطقة رمادية لا يعرف فيها من يصدّق ولا كيف يتحقق. هنا تتشكل الحاجة الحقيقية للبحث خلف هذه العروض اللامعة: من يروّج لها؟ ما الأدوات التي تستخدمها؟ ولماذا تنجح في الوصول إلى هذا العدد من الضحايا؟
هذه الأسئلة ليست مجرد إطار نظري، بل مفاتيح لفهم ظاهرة تتوسع بصمت. ومن هنا ينطلق هذا التحقيق، في محاولة لتفكيك آلية الإعلانات المضللة، ورصد آثارها، والكشف عن الطرق التي تتسلل بها إلى وعي الناس، ووضع علامات واضحة على الطريق قبل أن يسقط آخرون في ذات الفخ.

ويُعدّ الإعلان المضلل شكلاً من أشكال الترويج الذي يُقدّم صورة مشرقة لا تعكس الحقيقة، عبر إظهار مزايا مُبالغ فيها، أو إخفاء معلومات أساسية كان يجب أن يعرفها المستهلك قبل اتخاذ قراره. هو أسلوب يعتمد على صناعة انطباع جذاب يخدع إدراك الفرد، فيدفعه إلى الاعتقاد بأن المنتج أو العرض يملك قيمة أو نتائج لا وجود لها في الواقع، مستغلًا العاطفة أكثر من المنطق، والرغبة أكثر من الحاجة.

ويمتد تأثير هذا النوع من الإعلانات إلى المجتمع بأكمله؛ فكل رسالة مضللة تترك أثرًا يتجاوز الفرد، وتعيد تشكيل سلوكيات جماعية تعتمد على المظاهر والنزعة الاستهلاكية. في البيوت، وفي أساليب التربية، وفي طريقة تعامل الناس مع المال والصورة والهوية، يصبح تأثير الإعلانات أقوى مما يبدو. ومع الوقت، تأخذ القيم الواقعية مكانًا أقل مما تفرضه الصور اللامعة التي تنتشر بلا توقف.

ولا يتوقف الأمر عند الجانب النفسي والاجتماعي، بل يتعداه إلى الصحة أيضًا. بعض الرسائل الترويجية تُقدّم منتجات غذائية أو تجميلية أو صحية بمواصفات تُوحي بالأمان والفعالية، بينما الحقيقة مختلفة تمامًا. وحين يسير المستهلك خلف هذا الوهم، قد يعرّض نفسه لضرر أكبر من مجرد خسارة مالية؛ ضرر يمس صحته وطمأنينته.

ورغم قوة الأنظمة والرقابة، لا تزال هذه الإعلانات تتسرب بمهارة. يعود ذلك لسرعة تطورها، ولقدرتها على استغلال كل مساحة مفتوحة في المنصات الرقمية، ولأنها تتقن اللعب على الحدود الفاصلة بين ما يُعد قانونيًا وما يُعد تحايلاً. ومع ضعف وعي بعض المستخدمين، تتحول هذه المساحات الرمادية إلى بيئة مثالية لانتشار الخداع، خاصة حين يُدعّم بخبرة تسويقية أو تأثير شخصية مشهورة.

ومع المنافسة الشرسة بين الشركات، يصبح السعي وراء الربح السريع مبررًا لتجاوز الأخلاقيات، ولو على حساب ثقة الجمهور. فالإعلان المضلل قد يحقق نتائج مالية فورية، لكنه يترك أثرًا طويل المدى على سمعة العلامة التجارية، وعلى العلاقة بين المستهلك والسوق، وعلى شعور الناس بالأمان أثناء اتخاذ قراراتهم.

ولهذا تأتي أهمية الكشف عن هذه الظاهرة وفهمها. فمعرفة الأساليب التي تُستخدم للتأثير على الوعي، والطرق التي تتسلل بها الرسائل غير الصادقة إلى قناعات الناس، تمنح المستهلك قدرة أكبر على الحماية، وتجعل الشركات أكثر وعيًا بالمسؤولية الاجتماعية. والهدف ليس فقط توضيح خطر الإعلانات المضللة، بل وضع أرضية مشتركة تحمي الثقة، وتعيد التوازن بين ما يُعرض وما هو حقيقة فعلية، قبل أن يجد مزيد من الناس أنفسهم أمام خسائر كان يمكن تفاديها.

ومن هنا تبدأ خيوط الحكاية تتكشف لتسرد الحقائق خلف الأحداث الظاهرة.

في لحظة مفصلية يكشف فيها الألمُ ما كان خافيًا، تبدأ المتضرّرة حديثها وكأنها تسترجع فصول قصة لم تكن تتوقعها يومًا، كانت تظن أن رحلتها نحو الابتسامة المثالية ستكون بسيطة وسريعة—مجرد عيادة لامعة، طبيب مبتسم، ومشاهير يؤكدون جودة المكان. لكن القصة التي روتها لنا بدت أقرب إلى مأساة طويلة، لا تزال فصولها مفتوحة حتى اليوم.

تقول إنها كانت تتابع إعلانًا متكررًا لعيادة أسنان، إعلان ظهر فيه أكثر من مشهور تحدثوا بإعجاب كبير عن مهارة الطبيب، وعن نتائج مذهلة حققها لهم. كانت كلماتهم وابتساماتهم أشبه بتذكرة عبور نحو الثقة، فأقنعت نفسها بأن هذا المكان هو خيارها الصحيح، وأن الطبيب الذي ظهر في الإعلانات هو الطبيب الصح الذي يمكن أن تذهب إليه مطمئنة.

وبهذا الاطمئنان الذي صنعته الدعاية، جلست مع زوجها وأخبرته برغبتها، مطالبة إيّاه بأن يرافقها ويجري العلاج معها، زيادة في الاطمئنان.
وبعد محاولات طويلة لحجز موعد بسبب ازدحام العيادة، حصل الزوجان أخيرًا على موعدهما، لتبدأ الرحلة التي لم تكن تشبه أبدًا ما وُعِدا به.
في يوم الزيارة، تقول المتضرّرة إنها شعرت منذ البداية بأن كل شيء يسير بشكل طبيعي. الاستقبال كان أنيقًا، العيادة ممتلئة، تم إجراء الفحص الأولي كما تفعل أي عيادة، ولم تشعر بأي ريبة آنذاك. بل كانت متحمسة للمرحلة التي بعدها، مرحلة تركيب الابتسامة التي كانت تنتظرها منذ أشهر.

لكنّ اللحظة التي دخل فيها الطبيب كانت أول صدمة حقيقية في القصة. تصفه قائلة: دخل الطبيب وكأنه مستعجل، اكتفى بإلقاء نظرة سريعة على المقاسات، وكأنه يقوم بعمل روتيني لا أكثر. لم يشرح شيئًا، ولم يعلّق، فقط نظر… ثم خرج.

لم تستوعب ما يحدث في البداية، لكنها لاحظت أن الممرضات أخذوا زمام الأمور بالكامل، وكأن العملية ليست من اختصاص الطبيب إطلاقًا. لم يشارك، لم يركّب، لم يشرف، بل ترك المهمة كاملة للممرضات، بينما هو اكتفى بظهور شكلي لا يعكس أي دور طبي حقيقي.

تقول المتضررة: خرجت من العيادة وهي تحمل معها ما لم تتوقعه: بداية مشكلة لم تُغلق فصولها حتى اليوم. بدأت تعاني من التهابات مستمرة في اللثة، ألم متواصل، حساسية، وانتفاخات لا تختفي. سنة ونصف وهي تبحث بين الأطباء عن حل، عن تفسير، عن علاج يعيدها لوضع طبيعي، لكن دون فائدة تُذكر.

أما زوجها، فلم يمرّ أسبوع واحد حتى بدأت التركيبات بالتساقط من فمه، واحدة تلو الأخرى، وكأن ما دفعاه من وقت ومال وثقة تبخّر بالكامل.

وتختم قصتها بمرارة: “هذه كانت نهاية الثقة الزائدة بالمشاهير، وعدم أمانتهم في الإعلانات اللي يقدمونها”. المعاناة التي عاشتها المتضررة لم تكن مجرد تجربة طبية سيئة، بل سلسلة مؤلمة من الأوجاع، والخسائر، وفقدان الثقة، والانزعاج النفسي الذي يستمر طويلًا، تمتد إلى تفاصيل حياتها اليومية حتى وقتنا الحالي.
ومع أن قصتها كانت مؤلمة بما يكفي لتكون درسًا قاسيًا، إلا أن أوجاع الإعلانات المضللة لا تتوقف عند باب عيادة الأسنان فقط… بل تمتد إلى صالون تجميل آخر، وضحية جديدة، وألم مختلف لكنه يحمل نفس الجذر: الثقة التي دُفعت ثمنًا لغلاف لامع.

تبدأ المتضرّرة حديثها وكأنها تعود إلى بداية خيط ألمٍ لم تتوقّع يومًا أن تنسج نهايته بهذه القسوة. كانت تظن أن معاناتها مع شعرها الكيرلي ستجد أخيرًا طريقًا للحل، إعلان جذاب، ووعود كبيرة عن الكولاجين المعالج الذي سيحوّل شعرها من مصدر تعب إلى مصدر جمال وثقة. كلمات الترويج كانت كافية لإقناعها بأن هذه فرصتها… وأن مشوار التعب مع شعرها ربما ينتهي هنا.

كان حديثهم مطمئنًا، وكلماتهم تؤكد لها أن المادة آمنة 100%، وأن شعرها سيصبح ستريت دون تلف، ويستعيد لمعانه وحيويته، وأن النتيجة ستدوم حتى يخرج الشعر الجديد. ورغم ترددها الداخلي، دفعت المبلغ أكثر من ألفي ريال ودفعت معه جزءًا كبيرًا من ثقتها بنفسها.

لكن الرحلة التي تبدو في ظاهرها بداية جديدة، كانت في الحقيقة بداية لانهيار كبير.
فبعد أيام من تطبيق المادة، لم ترَ اللمعان ولا الحيوية التي وعدوها بها. ما رأته كان العكس تمامًا… رأته وهو يسقط. خصل كاملة تتهاوى أمام عينيها.
لم يتوقف الأمر على التساقط فقط. العناية الموعودة تحوّلت إلى قشرة مؤلمة، حكة مستمرة، وفروة رأس مرهقة. وتضيف بمرارة لا تخطئها الأذن: “أنا ضحية إعلانهم… حسبي الله عليهم.”

لم تكن المشكلة مجرد مادة شعر سيئة، بل كانت سلسلة من الخسائر: خسارة مظهرها الذي كانت تحاول تحسينه، خسارة مالها، خسارة ثقتها بنفسها.
قصة المتضرّرة ليست مجرد تجربة غير موفقة، بل جرح ترك أثره في كل يوم تعيشه، تستيقظ عليه، تراه في المرآة، وتشعر به مع كل خصلة سقطت، وكل لحظة ندمت فيها على تصديق إعلان لم يحمل سوى وعود فارغة.
في ظل الانتشار الواسع للمؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي، أصبح الإعلان أحد أهم أدوات التسويق الحديثة. ومع تصاعد دورهم في توجيه خيارات الجمهور، تزداد الأسئلة حول المعايير التي يعتمدونها في قبول الإعلانات، وكيف يوازنون بين المكسب المادي والمصداقية، إضافة إلى الضغوط التي قد يواجهونها من الشركات والوكالات.

في هذا السياق، كشفت إحدى المؤثرات البارزات على منصة “تيك توك” عن آليات عملها في اختيار الإعلانات، وكيف تضمن انسجامها مع ثقة جمهورها، ورؤيتها للواقع الحالي للإعلانات المضللة.

وتشير المؤثرة إلى أن دور المشاهير في الإعلانات لا يقل تأثيراً عن دور المؤثرين، إذ يعتمد عليهم المعلنون لرفع قيمة منتجاتهم بسرعة أكبر، مستفيدين من حضورهم الجماهيري. ومع ذلك، يواجه المشاهير التحدي ذاته في الحفاظ على صورتهم أمام الجمهور، ما يجعلهم أكثر حذراً في اختيار الإعلانات التي يقدّمونها، في محاولة لتحقيق التوازن بين الفائدة التجارية والمصداقية التي يعتمد عليها نجاحهم.

تقول إحدى المؤثرات: “من أهم المعايير عندي إن المنتج أو الإعلان يناسب نوع الجمهور اللي يتابعني، ويكون شيء فعلاً ممكن يفيدهم. يعني لو أغلب متابعيني أعمارهم بين 18 إلى 24، ما أقدر أعلن عن منتجات موجهة لكبار السن، أو لو أغلبهم بنات، ما ينفع أروج لمنتجات مخصصة للشباب”.

وأكدت ايضاً أنهم لا يكتفون بعرض المنتج فقط، بل يخضعونه لتجربة شخصية قبل الترويج له: “ضروري أختبر المنتج على نفسي، خصوصًا لو كان يحتاج تجربة طويلة مثل الكريمات العلاجية أو منتجات الشعر وأتأكد من مصداقيته من خلال النتائج اللي أشوفها علي شخصيًا”

لكن الطريق ليس سهلاً دائمًا، فالمشاهير يواجهون ضغوطات من الشركات والوكالات: “بعض الشركات يفرضون سيناريو معين وأنا متأكدة إنه ما راح ينجح، بس لأنهم مصرين عليه، أضطر أمشي على طلبهم، وبرضو من الضغوط أنهم لا يحبون نذكر السعر في الإعلان، بينما المتابعين عادةً يريدون معرفة كل التفاصيل، وخاصة الأسعار”.

وعن التوازن بين المكسب المادي والمسؤولية تجاه الجمهور، تقول المؤثرة: “ما أرى أن الماديات أهم من المصداقية ممكن أرفض إعلانًا بمبلغ كبير إذا شعرت إنه ما يناسبني أو ممكن يؤثر على ثقة الناس فيني. الثقة ما تُشترى”.

وبالنسبة لمستوى الإعلانات المضللة في الفترة الأخيرة، تشير إلى أن الوعي المتزايد لدى الجمهور والمعلنين أدى لتراجعها: “فعلاً قلت الإعلانات المضللة مؤخرًا، خصوصًا بعد قوانين هيئة تنظيم الإعلام اللي تلزم المعلن يوضح إن المحتوى إعلاني”.

من خلال هذا الدور، يظهر أن المشاهير لم يعد حضورهم مجرد تسويق، بل أصبح وسيلة لمساءلة السوق وضمان مصداقية الرسائل الإعلانية، مما يعزز وعي الجمهور ويحد من التضليل المنتشر على منصات التواصل
ومع ما يرويه المؤثرون عن تجربتهم مع الإعلانات، يقدّم المختصون رؤية مهنية تشرح الجانب الآخر من منظومة التسويق الرقمي.

ومن هذا المنطلق، يأتي حديث الأستاذ فهد بن عبد العزيز، متخصص في الإعلام والعلاقات العامة، يوضح الأسس التي يعتمدها عند التعاون مع المؤثرين، بدءًا من اختيارهم بعناية مرورًا بالتحقق من صحة المنتجات، وصولًا إلى قياس نجاح الحملات الإعلانية، مع الالتزام بالشروط القانونية والأخلاقية لضمان مصداقية الرسائل أمام الجمهور.
وموضحًا أن اختيار المؤثرين لا يعتمد فقط على حجم المتابعين، بل على توافق المحتوى، والجمهور، والتفاعل المتوقع، والتكلفة.
ويشير فهد إلى أن التحقق من صحة المنتجات قبل إطلاق الحملة أمر أساسي: “نراجع المعلومات مع العميل ونطلب إثباتات لضمان صحة الادعاءات”.

وعن شروط العقود مع المؤثرين، يؤكد فهد على أهمية الشفافية: “العقود تتضمن إفصاحًا واضحًا عن الإعلان، مع الالتزام بالنصوص المعتمدة وعدم إدراج أي ادعاءات غير مثبتة”.

أما عن قياس نجاح الحملة، فيوضح: نقيس النجاح عبر الوصول إلى الجمهور، مستوى التفاعل، والمبيعات.

ويقول فهد: نحن نفضل جودة الجمهور والتفاعل لأنه يعطينا نتائج أدق. وهو ما يعكس توجهًا متزايدًا لدى المختصين نحو تقييم واقعي للحملات، يعتمد على تأثيرها الفعلي لا على الأرقام الظاهرية فقط.

كما يؤكد فهد أن نجاح الحملات الإعلانية عبر المؤثرين لا يرتكز فقط على الأرقام وعدد المتابعين، بل على جودة الجمهور، ومدى التفاعل، وصحة المعلومات المقدمة. وهذا النهج يضمن تحقيق نتائج دقيقة وموثوقة، مع الحفاظ على مصداقية العلامة التجارية وثقة المستهلكين.

ولتسليط الضوء على الجانب المهني في إدارة الحملات الرقمية، قدمت وكالة الأر التسويقية رؤيتها حول اختيار المؤثرين والتحقق من مصداقية الحملات وقياس النجاح، مؤكدة أن هذه الممارسات ليست مجرد إجراءات شكلية، بل أساس للحفاظ على مصداقية الرسائل أمام الجمهور.

تُعد وكالة الأر للتسويق من الوكالات العاملة في مجال التسويق الرقمي والإعلان. مع تركيز خاص على التسويق عبر المؤثرين.

تعتمد الوكالة على استراتيجيات مبتكرة ومبنية على تحليل دقيق لضمان وصول الرسائل التسويقية بفعالية إلى الجمهور المستهدف، مع الحفاظ على مصداقية العلامة التجارية وتعزيز ثقة العملاء.

خلال مقابلتنا مع فريق الوكالة، أكدوا – وكما أوردوه لنا مباشرة – أن اختيار المؤثرين لا يعتمد فقط على حجم المتابعين، بل على توافق المحتوى مع هوية العلامة التجارية والجمهور المستهدف، وجودة التفاعل، والتكلفة المناسبة للحملة، مع التأكيد على أن التطابق بين روح العلامة وروح المؤثر هو سر النجاح.

وأشار الفريق إلى أن التحقق من صحة المنتجات قبل إطلاق الحملة أمر أساسي: “نقوم دائمًا بالتنسيق مع العميل لمراجعة المنتج وتجربته فعليًا، لضمان أن كل ما يُقال بالحملة يعكس حقيقة المنتج دون وعود مبالغة” كما شددوا على أهمية الشفافية في العقود مع المؤثرين، قائلين: “جميع العقود تتضمن إفصاحًا واضحًا عن الإعلانات المدفوعة، مع الالتزام بمعايير هيئة تنظيم الإعلام المرئي والمسموع المعتمدة وعدم نشر أي محتوى دون الموافقة المسبقة لضمان تطابق الرسائل مع هوية الحملة وأخلاقيات الإعلام”.

وعن قياس نجاح الحملة، أوضح الفريق أنهم يقيسون النجاح من ثلاث زوايا: قصيرة المدى عبر حجم التفاعل والمشاهدات وجودة التعليقات، ومتوسطة المدى عبر انتشار الرسالة وتحسين الانطباع العام عن العلامة، وطويلة المدى عبر النتائج السلوكية أو البيئية التي حققتها الحملة. وأضافوا: “حتى لو كان متابع واحد مهتم وصادق التأثير سيكون أفضل من ألف متابع غير مهتم”

هذه المقولة تلخّص رؤية الوكالة بالكامل: المتابع المهتم = تأثير حقيقي
ألف متابع عابر = رقم بلا قيمة ولأن التأثير الحقيقي يأتي من العلاقة بين المؤثر وجمهوره لا من الأرقام فقط”.

كما نوه الفريق بأن العملاء اليوم أصبحوا أكثر وعيًا وتمييزًا، ويعرفون كيف يميزون الإعلانات المبالغ فيها أو غير الصادقة، لذا فإن دراسة الحملة بشكل كامل قبل إطلاقها يعد أمرًا حيويًا لضمان توافق الفكرة مع هوية العلامة التجارية وتجنب أي سوء فهم من الجمهور.

يتضح من تجربة وكالة الأر للتسويق أن نجاح الحملات الإعلانية عبر المؤثرين لا يعتمد على الأرقام فقط، بل على التوافق بين روح العلامة وروح المؤثر، وصحة المعلومات، وجودة التفاعل مع الجمهور.
ويؤكد الفريق على أهمية التخطيط والدراسة الدقيقة لكل حملة لضمان وصول الرسالة بشكل صحيح، وتحقيق تأثير فعلي ومستدام، مع الحفاظ على مصداقية العلامة التجارية وثقة المستهلكين. إن ما أوردناه هنا مستند مباشرة إلى تصريحات فريق الوكالة خلال المقابلة، ما يعكس رؤية واضحة واستراتيجية متكاملة للتسويق الرقمي عبر المؤثرين.

بعد أن استعرضت وكالة الأر للتسويق رؤيتها المهنية في اختيار المؤثرين وقياس نجاح الحملات الرقمية، يبرز التساؤل حول مدى تأثير هذه الحملات على الجمهور وكيف يمكن التمييز بين الإعلان الموثق والمضلل. هنا تتدخل الخبرة الأكاديمية لتوضيح هذا التأثير وأدوات مواجهته.

ومع انتشار الحملات الرقمية بشكل واسع واعتمادها على أساليب دقيقة لاستهداف الجمهور، يظل الأفراد في قلب المعركة بين الانبهار والانتباه. تشير الأستاذة ‏العنود الملحم – اكاديمية- وأخصائية حملات رقمية، إلى أن الأفراد يتعرضون يوميًا لآلاف الإعلانات المتشابهة في الشكل والطابع، بعضها يقلد شعارات الجهات الأصلية أو ألوانها أو أصواتها، ما يجعل تصديقها أسهل. تقول أ. العنود الملحم إن الخوارزميات تعمل على انتشار الإعلانات وفق تفاعل الجمهور معها، فالإعلانات الجذابة أو المنتشرة في أوقات الذروة تنتشر بسرعة، حتى لو كانت مضللة، مؤثرة على مشاعر الناس وقد تولد لديهم حذرًا زائدًا أو كرهًا للإعلانات.

على الجانب الآخر، ترى ديمة الثبيتي، أستاذة في الرأي العام، أن تأثير هذه الإعلانات لا يقتصر على الانبهار اللحظي، بل يمتد ليشكل توجهات الرأي العام. الإعلانات المضللة، وفقًا لاستاذة ديمة، تقدم معلومات خاطئة بأسلوب عاطفي متكرر، فتقنع الجمهور تدريجيًا بالصدق، وتغير مواقفهم واتجاهاتهم دون وعي أو تحقق من المصداقية.

وهنا تتقاطع رؤيتهما: التحول من الإعلان التقليدي إلى الرقمي أتاح سهولة النشر واستغلال بعض الجهات لذلك لنشر محتوى مضلل، بينما أصبح بعض المؤثرين ضحايا لمعلومات ناقصة، وآخرون يعلنون لأي جهة تقدم لهم مقابلًا ماليًا دون التأكد من مصداقية المنتج أو الخدمة.

ورغم ذلك، يظل الإعلام وصوت التوعية أساسيًا، وتعمل جهات حكومية مثل وزارة الإعلام والهيئة الوطنية للأمن السيبراني على رفع وعي الجمهور وتمكينه من التمييز بين الإعلان الموثق والمضلل، بينما تشير أستاذة ديمة إلى أن رفع الوعي يبدأ من التثقيف الإعلامي والتفكير النقدي في المدارس والجامعات، ويستمر من خلال النقاشات المجتمعية والأسرية، وفرض قوانين تعزز الشفافية الإعلانية.

وفي النهاية، يكشف هذا التوازن بين قوة الانتشار الرقمي ووعي الجمهور الناشئ أن التأثير الإعلاني ليس مطلقًا، بل متقاطع مع وعي الأفراد وقدرتهم على التمييز، ما يجعل كل إعلان اختبارًا مباشرًا لمستوى الانتباه والتمييز لدى المجتمع

وبينما تكشف الاستاذة العنود الملحم وأ. ديمة الثبيتي أبعاد التأثير النفسي والاجتماعي للإعلانات المضللة على الجمهور،
تأتي رؤية الأستاذة منى الشهراني، المتخصصة في الإعلام والاتصال والتي عملت في أقسام عدة من بينها التسويق، لتكمّل الصورة من داخل المنصات نفسها ومن واقع التحديات التنظيمية.

تقول أ. منى الشهراني إن انتشار الإعلانات المضللة يعود لعدة أسباب، أبرزها ضعف الرقابة على المحتوى الرقمي في السابق. توضح:

“قبل كم سنة كان هناك ضعف رقابة على المحتوى، ولكن اليوم الهيئة العامة لتنظيم الإعلام تعمل جاهدة لتمنع أي محتوى مخالف للدين والقيم والعادات والتقاليد، وحريصة أن تكون الإعلانات واضحة وذات مصداقية.

وترى أن الرغبة في تحقيق الانتشار السريع والمكاسب المادية دفعت بعض المعلنين والمؤثرين لتقديم وعود تجذب الانتباه بمبالغ كبيرة، مثل المسابقات التي كانت أحيانًا وهمية، قبل أن تتدخل وزارة التجارة وتضع أنظمة للحد من استغلال الجمهور.

وتضيف أن خوارزميات المنصات تسهم بشكل غير مباشر بتعزيز الظاهرة لأنها تروج للمحتوى الأعلى تفاعلاً بغض النظر عن مصداقيته، مما يجعل الإعلانات الجاذبة—لو كانت مضللة—تنشر أسرع من الإعلانات الصادقة.

وعن تأثير الإعلانات المضللة على المستهلك،” توضح أنها تهز ثقة المستهلك بالمنصات والمعلنين معًا، خصوصًا حين يكتشف أنه ضحية لمحتوى تجميلي أو منتج لا يطابق المواصفات”. “وتصف الأثر النفسي بأنه شعور بالخداع والندم يجعله أكثر حذرًا مستقبلًا”.
وتشير إلى أن الجمهور اليوم أصبح أذكى من السابق… لا يصدق أي إعلان أو أي منشأة، وأن هذا الوعي المنتشر يدفع المؤسسات والجهات التجارية إلى مزيد من الحرص على ما تقدمه. أما اجتماعيًا، فتقول إن الظاهرة “تخلق ثقافة استهلاكية سطحية وتؤثر على ثقة المجتمع، وهو ما تعمل الهيئة العامة لتنظيم الإعلام على الحد منه عبر فرض الإفصاح عن الإعلانات المدفوعة، بحيث” إذا كان إعلان يكتبون إنه إعلان وتحرص الهيئة أيضًا على الالتزام بالصدق”.

وتضيف عند الحديث عن الأسباب الرئيسية لانتشار التضليل أن المؤثر “لابد أن يفهم اللوائح حتى لا يقع بالخطأ”، مشيرة إلى أن التنافس العالي بين المؤثرين والمعلنين يدفع بعضهم إلى تضخيم المميزات أو إخفاء العيوب أو الادعاء بتجربة منتج لم يجربوه أساسًا. وترى أن سهولة النشر دون مراجعة مسبقة من المعلن نفسه ساعدت في توسع الظاهرة، لكنها تؤكد أنه “مع تفعيل لائحة المحتوى الإعلامي التي أسندتها الهيئة العامة لتنظيم الإعلام أصبح هناك وعي أكبر ومساءلة للمخالفين مما ساهم في الحد من جزء من هذه الظاهرة”.

وعن سؤال ما إذا كان المؤثرون جزءًا من المشكلة أم ضحايا لها، تقول أ.منى الشهراني:
“المؤثرين في بعض الحالات جزءًا من المشكلة حين يتجاهلون التحقيق أو التحقق من المنتج أو لا يلتزمون بذكر أن الإعلان مدفوع… لكن البعض الآخر ضحايا لضغوط السوق خصوصًا في بداياتهم المهنية”. وتؤكد أن للجهات التنظيمية دورًا أساسيًا في توعية المؤثرين بحقوقهم وواجباتهم وحماية كل الأطراف: المعلن والمؤثر والمستهلك.

أما عن دور المؤسسات الإعلامية، فتشير أ. منى الشهراني إلى أنها تؤدي دورًا تثقيفيًا وتنظيميًا مهمًا، من خلال تقارير وبرامج تكشف أساليب التضليل، أو عبر إنتاج مواد إعلامية—إنفوجرافيك، موشن جرافيك، وفيديوهات—تنبه المستهلكين إلى عدم تصديق كل ما يصلهم.

وترى أن من الأساليب الأكثر تأثيرًا دمج التوعية بالقصص الواقعية لتكون قريبة من الجمهور وأكثر قابلية للانتشار.

وتختتم رؤيتها بالإشارة إلى ما تسميه التوازن الثلاثي بين وعي المستهلك، والتزام المعلن، ورقابة الهيئة، مؤكدة: “متى ما اكتمل هذا التوازن… يصبح من الصعب على الإعلانات المضللة أن تجد بيئة تنتشر فيها”

ومع انتهاء حديث أ. منى الشهراني، بدا أن الصورة رغم وضوح ملامحها ما زالت تخفي ما هو أعمق. فالآراء المهنية تضيء الطريق من الأعلى، لكن الحقيقة الكاملة لا تُولد إلا من الناس أنفسهم… من المتأثرين، من الضحايا، من الذين جربوا وندموا، ومن الذين مرّت عليهم الدعاية كريح عابرة وتركَت وراءها أثرًا لا يُمحى سريعًا.

ولأجل ذلك، كان الاستبيان الذي طُرح على المشاركين هو اللحظة التي تنقلب فيها القصة إلى عقدتها… اللحظة التي يظهر فيها الحجم الحقيقي للقوة التي تمارسها الإعلانات المضللة على المجتمع.

فمن بين جميع الفئات العمرية، قفزت فئة 18 إلى 25 عامًا إلى الواجهة بنسبة 87.2%، وكأن الجيل الأحدث — الأكثر حضورًا على المنصات — هو الأكثر عرضة لهذا التأثير المتسارع. أما بقية الفئات فجاءت كالتالي: أقل من 18 عامًا 1.3%، 26 إلى 35 عامًا 7.7%، وأكثر من 35 عامًا 3.8%، ما يوضح أن التركيز الأكبر للتأثير الإعلاني يقع على الشباب في سن مبكرة، بينما تراجع الحضور عند الفئات الأكبر سنًا.

والأكثر لفتًا للنظر أن 94.9% من المشاركين كانوا من النساء، الفئة ذاتها التي تستهدفها كثير من العلامات التجارية ومستحضرات التجميل والخدمات الصحية، ما يجعل باب التأثير عليها أوسع وخطورة التضليل مضاعفة. وفي المقابل، شكّل الرجال 5.1% فقط، وهي نسبة تكشف حجم الفجوة في التعرّض الدعائي، وتوضح أن الحملات الرقمية موجّهة — في جزء كبير منها — نحو النساء بوصفهن الجمهور الأكثر تفاعلًا مع هذا النوع من الإعلانات.

وعندما سُئل المشاركون: كيف تصفون الإعلانات اليوم؟ جاءت الإجابات كأنها مرآة تكسر الصورة اللامعة على السطح. 57% يرون أنها “مبالغ فيها لكنها مقبولة، بينما 26.6% يؤكدون أنها “مضللة في أغلبها، و16.5% رأوا أنها “واقعية وتعكس المنتج بدقة”. هذا الانقسام ليس مجرد نسبة — بل ميل درامي في القصة: وعي يتشكل، وثقة تتفكك، وصراع بين الانجذاب والريبة.
غير أن التحول الحقيقي يكمن في اعتراف 86.1% بأنهم تأثروا بإعلان واشتروا منتجًا اتضح لاحقًا أنه لا يمثل الواقع. هنا لا نتحدث عن رأي، بل عن تجربة؛ أشخاص فتحوا أبوابهم لوعد دعائي، ثم خرجوا منه بشعور الخديعة (22.2%). البعض — بنسبة 37.5% — سارع لتحذير الآخرين، وكأن التجربة المؤلمة تحولت إلى دافع للحماية، و23.6% قرروا فقدان الثقة بالإعلانات تمامًا، بينما 16.7% حاولوا تجاهل الأمر… لكن أثره لا يختفي.

وتكشف الإجابات أن التأثير لا يعتمد على المعلومة وحدها، بل على الصورة والمظهر والسطوع. 77.2% يرون أن الاعتماد على الشهرة والجمال والسمعة يؤثر “بدرجة كبيرة جدًا” على قرارات الشراء، 19% يعتقدون أنه يؤثر بدرجة متوسطة، بينما 3.8% يرون أنه لا يؤثر. إنها لحظة يتجلى فيها الإعلان ليس مجرد فكرة تُقرأ… بل صورة تُشعر، ووجهٌ يُقنع، وطابعٌ يلتصق بالذاكرة أقوى من أي حقيقة.

أدوات النجاة: 69.6% يعتمدون على تقييمات وتعليقات الآخرين، 23.3% يتحققون من حساب الجهة المعلنة، بينما 5.1% لا يتحققون من مصداقية الإعلانات على الإطلاق. المجتمع الرقمي هنا لا يستهلك الإعلان فقط… بل يتحول إلى “محكمة صغيرة” تحاول أن تميّز الصادق من المضلل.

أما المسؤولية، فقد جاءت موزعة بين ثلاثة أطراف: 44.3% يحمّلون شركات التسويق المسؤولية الأكبر، 35.4% يرون أن المؤثرين طرف أساسي، فيما يعتبر 20.3% أن المستهلك نفسه يتحمل جزءًا من الدور. الجميع في دائرة الضوء… والجميع جزء من المشكلة والحل.

وفي السؤال الأخير — المفتوح، الصادق، غير المقيّد — انكشفت مشاعر متباينة: من يطالب بتوعية واسعة، ومن يرى الحل في تجاهل الإعلانات، ومن يدعو لرفع ثقافة التحقق، ومن يصرّ على الإبلاغ عن المحتوى المخالف. أصوات كثيرة… لكنها تتجه في النهاية نحو حقيقة واحدة: أن الإعلانات المضللة لم تعد مجرد صور عابرة، بل قوة تتسلل إلى قرارات الناس وتشكل سلوكهم وتعيد صياغة ثقتهم بالعالم الرقمي.
وهكذا تتشكل عقدة القصة: بين تأثير لا يمكن تجاهله، ووعي يحاول اللحاق به، وجمهور يكتشف — شيئًا فشيئًا — أنه ليس مجرد متلقٍ، بل جزء من معركة يومية مع الإغواء الرقمي.

ومن واقع التحديات التنظيمية؛ تأتي القراءة القانونية للمحامية “عزيزة القحطاني” مديرة ومؤسسة شركة أضداد محامون ومستشارون، لتضع الإطار النظامي الذي يحكم هذه الظاهرة، وتوضح حدود المسؤولية وآليات المحاسبة وحقوق المستهلك وفق الأنظمة السعودية.
ففي ظل التطور السريع للإعلانات الرقمية وتزايد حالات التضليل، يصبح الدور القانوني هو المحور الأهم لضبط السوق وحماية جميع الأطراف: المعلن، والمؤثر، والمستهلك.

توضح المحامية عزيزة القحطاني أن المسؤولية تقع على كل من المعلن أو منسوبيه أو من قام بالإعلان فعليًا متى ما ثبت علمه بأن الإعلان مضلل.
فقد يتحمل المؤثر المسؤولية إن نشر إعلاناً مضللاً وكان يعلم بمخالفته، أو تتحمل الشركة المسؤولية إن كانت هي من زوّدته بالمعلومات المضللة.

ووفقًا للمادة الحادية عشرة من نظام التجارة الإلكترونية، فإنه يُحظر أن يتضمن الإعلان الإلكتروني: عرضاً، أو بياناً، أو ادعاءً كاذباً، أو مصوغاً بعبارات قد تؤدي بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى خداع المستهلك.

تبيّن عزيزة القحطاني أن العقوبات تختلف بحسب جسامة المخالفة، وذلك وِفق المادة (18) من نظام التجارة الإلكترونية التي تنص على معاقبة المخالف بإحدى أو أكثر من العقوبات الآتية:
1- الإنذار.
2- غرامة لا تزيد على مليون ريال.
3- إيقاف مزاولة التجارة الإلكترونية مؤقتًا.
تؤكد المحامية عزيزة القحطاني وجود آليات واضحة وفعّالة من وزارة التجارة، من أبرزها:
– مركز البلاغات 1900
– تطبيق “بلاغ تجاري” أو الموقع الإلكتروني
وتتولى الوزارة التحقق من المخالفة ثم إحالة القضية للجهة المختصة لتطبيق العقوبات النظامية.

توضح القحطاني أن للمستهلك الحق في:
– الرجوع على موفّر الخدمة أو المعلن،
– طلب استرجاع المبلغ،
– أو المطالبة بالتعويض عن الضرر الناتج عن الإعلان المضلل،
– بالإضافة إلى تقديم شكوى للجهات المختصة.
وذلك استنادًا إلى المادة 13 من نظام التجارة الإلكترونية، والمادة 22 من نظام مكافحة الغش التجاري، والمادة 12 من اللائحة التنفيذية لنظام مكافحة الغش التجاري.
هذا والله أعلم
وبذلك تتكامل الرؤية القانونية التي قدمتها المحامية عزيزة القحطاني فالمسألة لم تعد مجرد محتوى يخدع جمهورًا، بل منظومة متعددة الأطراف تتطلب مسؤولية قانونية واضحة، ووعياً من المستهلك، والتزامًا من المعلنين والمؤثرين، ورقابة صارمة من الجهات التنظيمية.

إن وضوح الأنظمة وتنوع العقوبات وتوافر قنوات البلاغ الرسمية يمنح المستهلك حماية أكبر، ويجعل البيئة الرقمية أكثر موثوقية وعدلاً. ومع اكتمال هذا التوازن بين الوعي والالتزام والرقابة، تصبح فرص انتشار الإعلانات المضللة أقل.

في نهاية هذا التحقيق، تتشكل أمامنا لوحة مكتملة الملامح لعالم الإعلانات الرقمية، عالم لا تتحرك فيه الرسائل بعشوائية، بل تتفاعل داخله قوى متعددة: نفوذ المنصات، ووعي الجمهور، ومسؤولية المعلنين والمؤثرين، والأطر القانونية التي تنظم هذا المشهد سريع التغيّر.

لقد تبيّن أن الإعلان الرقمي اليوم لم يعد مجرد لقطة لامعة تمرّ على المتلقي، بل أصبح منظومة معقدة يتحكم في انتشارها خوارزميات دقيقة، وتؤثر نتائجها على القرار الشرائي وعلى الثقة المجتمعية بشكل مباشر.
وقد كشفت وكالة الأر للتسويق عن زاوية مهمة في هذا المشهد، مؤكدة أن اختيار المؤثرين لا يقوم على الأرقام وحدها، بل على توافق المحتوى مع هوية العلامة التجارية، وهو ما يعكس تحول سوق الإعلان من مجرد استهداف جماهيري واسع إلى استهداف أكثر دقة وذكاء.
فالإعلان اليوم لم يعد يعتمد على الجاذبية البصرية فقط، بل يتسارع انتشاره وفق معايير خوارزمية تمنح الأولوية لما يحقق تفاعلًا أكبر، سواء كان صادقًا أم مضللًا، لتصبح المعادلة معقدة بين التسويق والمصداقية.

أما على المستوى الأكاديمي، فقد طرحت الأستاذة العنود الملحم وديمة الثبيتي ومنى الشهراني رؤى نقدية عميقة حول التأثير النفسي والاجتماعي للإعلانات على المتلقي. وقدّمت هذه الأكاديميات تحليلات تكشف كيف تتسلل الإعلانات إلى قرارات الأفراد عبر مزيج من الإبهار البصري، والرسائل المقنعة، وتكرار الظهور، لتصنع صورة مثالية قد لا تعكس الواقع. وتؤكد آراؤهن أن الوعي الإعلامي ليس رفاهية، بل ضرورة في ظل البيئة الرقمية التي تُضخّم الرسائل المضللة بسرعة كبيرة.

وتكشف نتائج الاستبيان بوضوح حجم التأثير الذي تمارسه الإعلانات المضللة على الجمهور، حيث أشار 86.1% من المشاركين إلى أنهم تأثروا بإعلانات مضللة أدّت إلى شراء منتجات لا تمثل الواقع، في دلالة واضحة على قوة الإغراء الرقمي وضعف أدوات الحماية الذاتية لدى المستهلك.

ومن بين ردود الفعل التي عبّر عنها المتضررون، ظهر شعور الخديعة بنسبة 22.2%، وتحذير الآخرين بنسبة 37.5%، وفقدان الثقة بالإعلانات بنسبة 23.6%؛ أرقام ليست مجرد نسب جامدة، بل قصص حيّة تكشف كيف يتحول الانبهار الأولي إلى إدراك متأخر، وكيف تنقلب التجربة الفردية إلى وعي جماعي يتراكم بمرور الوقت.

كما أظهر الاستبيان أن الفئة الأكثر عرضة للتأثر كانت من الشباب بين 18 و25 عامًا بنسبة 87.2%، إلى جانب النساء بنسبة 94.9%، وهو ما يعكس حجم استهداف هذه الشرائح في الحملات الرقمية، واستغلال حساسيتهن العالية تجاه الصور الجذابة والرسائل المقنعة.

ورغم ذلك، فإن المجتمع الرقمي بدأ يبني آليات دفاع ذاتية؛ حيث يعتمد 69.6% من المشاركين على التعليقات والتقييمات للتحقق من مصداقية الإعلانات، في خطوة تشير إلى بداية تحول مواقع التواصل إلى فضاء مراقب وواعٍ، لا يكتفي بالاستهلاك، بل يسعى لتقليل الضرر وكشف التضليل.
وفي الجانب القانوني، قدّمت المحامية عزيزة القحطاني رؤية شاملة حول الإطار النظامي المنظّم للإعلانات، موضحة أن المسؤولية لا تقع على المعلن وحده، بل تشمل المؤثر ومنسوبيه متى ثبت علمهم بالمخالفة. وتنوّعت العقوبات بين الإنذار والغرامات التي قد تصل إلى مليون ريال، وإيقاف النشاط مؤقتًا، بالإضافة إلى حق المستهلك في استرجاع أمواله أو الحصول على تعويض، ما يجعل القانون ركيزة أساسية لحماية السوق الرقمية وضبط سلوك الأطراف كافة.

أما الحلول العملية لتقليل هذه الظاهرة، فهي متعددة ومتداخلة:
1- رفع وعي الجمهور:
• التثقيف الإعلامي في المدارس والجامعات، وتطوير مهارات التفكير النقدي، كما أشارت ديمة.
• الحملات التوعوية الرسمية من وزارة الإعلام والهيئة الوطنية للأمن السيبراني، واستخدام قصص واقعية ومحتوى بصري مشوق مثل انفوجرافيك وفيديوهات قصيرة، لتقريب التجربة من الناس وزيادة الوعي بخطورة الإعلانات المضللة.
2- التزام المعلنين والمؤثرين بالمصداقية:
• ضمان توافق المحتوى مع الواقع وعدم المبالغة في الادعاءات.
• الإفصاح عن الإعلانات المدفوعة بشكل واضح، كما تفرضه لوائح الهيئة العامة لتنظيم الإعلام ونظام التجارة الإلكترونية.
• توعية المؤثرين بحقوقهم وواجباتهم القانونية لحماية جميع الأطراف، سواء المستهلك أو المعلن أو المؤثر نفسه.

 

3- تعزيز الرقابة القانونية والتنظيمية:
• تطبيق الأنظمة بصرامة، بما يشمل العقوبات المنصوص عليها في نظام التجارة الإلكترونية، ونظام مكافحة الغش التجاري، واللائحة التنفيذية، لضمان المساءلة الفعلية.
• تفعيل آليات البلاغات الرسمية مثل رقم 1900، تطبيق “بلاغ تجاري”، والموقع الإلكتروني، لضمان معالجة المخالفات بسرعة وشفافية.
4- استخدام أدوات التحقق الرقمية:
• تشجيع الجمهور على الاعتماد على تقييمات وتعليقات الآخرين، والتحقق من مصداقية الحسابات الرسمية للجهات المعلنة.
• دمج أدوات الفحص الرقمي ضمن المنصات نفسها، مثل تمييز الإعلانات المدفوعة وإظهار علامات التحقق.
5 – التوازن بين الأطراف:
• التزام المعلنين بالصدق.
• وعي المستهلك بضرورة التحقق وعدم الانجذاب لأي وعود مبالغ فيها.
• رقابة صارمة من الجهات التنظيمية لضمان بيئة رقمية آمنة.
وفي نهاية المطاف، يتضح أن الإعلانات الرقمية ليست مجرد صراع بين منتج ومستهلك، بل منظومة تحتاج إلى توازن دقيق بين ثلاثة أطراف: وعي الجمهور، صدق المعلنين، وصرامة الجهات التنظيمية. وحين يكتمل هذا التوازن، يصبح كل إعلان اختبارًا للشفافية، وكل تجربة مستهلك لبنة في بناء وعي جماعي يحمي السوق من الفوضى.
عندها فقط يمكن أن يتحول الفضاء الرقمي إلى مساحة عادلة، تُبنى فيها الثقة على الحقائق لا الوعود، ويُعاد فيها تشكيل علاقة المستهلك بالإعلان على أسس من المصداقية، والوعي، والاحترام المتبادل.
هذه ليست نهاية قصة الإعلانات الرقمية، بل بداية وعي جديد يكتب فصوله الجمهور، ويصنعه الإدراك، وتدعمه القوانين… ليبقى الإعلان رسالة صادقة، لا مرآة مزيفة تعكس وهجًا لا حقيقة له.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com