يحيى العمودي يكتب:”بين العزة بالنفس وجَلد الذات!!”

كعادته دائماً، يطلّ علينا الأستاذ القدير خالد جاسم في مجلسه المميّز بهدوئه ورزانته وحِلْمه على ضيوفه، وباختياره للتوقيت المناسب للتدخّل بينهم إذا اشتدّ الخلاف بين وجهات النظر. إلا أنّ نقاشاً دار قبل بضعة أيام بين اثنين أحمل لهما ولزملائهما كل التقدير والاحترام: الأستاذ المغربي عادل رحموني والكابتن الكويتي جمال مبارك. وقد أردت أن أبدي رؤيتي في مضمونه إن سمح لي أبو جاسم.
قد يبدو الأمر غريباً، وربما يتفق معي آخرون، إن قلت إنّ كليهما كان مُصيباً في رأيه… وكلاهما كان مُخطئاً أيضاً. فالحياة تسير بنا على جزيئات مختلفة؛ أيامٌ تُبسط علينا وأيامٌ تُثقل بالهمّ والحزن. فما بالنا بالرياضة التي إن سرنا فيها بخطط “طوارئ” قد نصل لأفضل أداء بنتائج لا نتوقّعها، وإن درسناها وطبّقنا عليها الخطط العلمية ربما نخرج بخفّي حُنين، بل وربما بنتائج كارثية… وقد يحدث العكس تماماً.
المنطق الصحيح يقول إنّ الرياضة “صناعة”، والصناعة لا تُستدام إلا ببناء أساس قوي متين بمعايير رياضية علمية وعملية تحمل معها الآمال للوصول إلى نجاحات مستمرة لسنوات وسنوات.
لكن ـ مهما كانت الدراسات حاضرة أو غائبة ـ تبقى الحقيقة الأهم: أن “الفترة الزمنية” التي يقضيها اللاعب مع منتخب بلاده هي فترة مؤقتة مهما طالت المعسكرات، بينما يقضي اللاعب جلّ حياته الكروية منذ نشأته وحتى اعتزاله بين مدرّبي ناديه.
فمتى ما كان التأسيس الفني والبدني للاعب في ناديه ممتازاً، وكانت العقلية الاحترافية حاضرة وقوية، أصبح ذلك هو السرّ الحقيقي في نجاح اللاعب، الذي بدوره ينجح معه الفريق، والذي بدوره ينجح معه المنتخب. وتبقى فقط لمسات مدرب المنتخب الفنية التي توظّف ما يحمله اللاعبون ذهنياً وبدنياً لترجيح الكفّة.
هل البرازيل والأرجنتين “أعلى كعباً” كما يرى الكابتن جمال؟ أم أن المغرب اليوم “سيدة الميدان” كما يؤمن الأستاذ عادل؟
الحقيقة أن المسألة ليست أسماء… بل جودة:
جودة اللاعب بدنياً وذهنياً، وكيف تُترجم هذه الجودة لمصلحة منتخب بلاده.
فحين امتلكت البرازيل لاعبين مشبعين بالعقلية الناضجة والمهارات والفن الساحر، اكتسحوا العالم خمس مرات. وحين قلّت الجودة، تلقّوا “السباعية” الألمانية. وكذلك الأرجنتين، التي لم تعرف طعم كأس العالم بعد مارادونا إلا حين حضر جيل “مثقّف” كروياً، جاهز بدنياً وذهنياً لمساعدة ميسي في تحقيق حلمه وحلم وطنه.
هذه الجودة هي التي رفعت المغرب اليوم، ورفعت مصر سابقاً حين تربّعت على عرش إفريقيا مرات ومرات، ورفعت خليجياً جيلاً ذهبياً للمنتخب السعودي 94، والإمارات 90، والكويت 82، وغيرهم ممن حملوا راية وطنهم بروح البطولة وعقلية احترافية وأداء بدني سبقوا به زمنهم.
هذا هو رأيي باختصار… وهذا ما أريد أن أراه في وطني وفي كل البلاد العربية:
أن يكون البناء المستدام حاضراً للاعبي كل الألعاب، لتكون الفرحة عامرة لا تنقطع… فالذهب لمن فكّر بعقله، واجتهد بسعيه، وحرث الأرض بيديه وقدميه، مهما كان اسمه أو لونه أو موطنه.
—
أضواء خاصة…
• وصلنا إلى دور ربع النهائي من كأس العرب، والقاعدة تقول: كل من يصل إلى هذا الدور يستحق الاحترام، مهما كان اسمه أو مستوى لاعبيه.
• منتخبنا سيواجه الفلسطيني الفدائي، وكلّي ثقة بأن لدى لاعبينا القدرة على مسح أخطاء مباراة المغرب، و”الاعتذار” بالفوز والتأهل. وحتى إن حضر الاعتذار في المؤتمر يا عبدالله… فأنت عود من حزمة، والشعب السعودي ينتظرك في الميدان، في الساحة التي تتوقف لأجلها أوقاته وأشغاله واهتماماته، يتأملون فرحة صغيرة صادقة تُكمل يومهم وتؤنس ليلهم. فشدّوا الهمة… وفالكم الفوز.
• هناك حامل لقب… ومنتخب خسر الملحق لكنه فرض تأهله باحترام… وثلاثة في المونديال ورابع نترقب وصوله… وحصانان أسودان يستحقان كل التقدير. ما يقدمه منتخبا فلسطين وسوريا يستحق التوقف ورفع العقال والتحية الكبيرة لهما.
• قبل أيام، مرّ علينا يوم عالمي… مرّ مرور الكرام لدى البعض لأنه لا يملك صدى “اليوم العالمي للحب” أو “الجمعة السوداء”. إنه يوم للأنقياء فقط… لمن يخلصون النية لتقديم الخدمة دون انتظار الشكر. ومن كان يُرائي، فلن يدوم رياؤه؛ فإما يسقط قناعه، أو يهديه الله لتغيير قناعاته للأفضل.
• ما كان قبل أيام هو اليوم العالمي للتطوع… الذي تجد نواته في كل البشر. فالخير باقٍ إلى قيام الساعة، والنفوس الطيبة تنشأ بالفطرة على ذلك. وفي مجتمعنا وبين رجالاتنا، هناك من يسعى جاهداً لتأصيل فكرة التطوع، وتطبيقها، ونشرها، لتدوم بين الأجيال المتعاقبة.


