إبراهيم البارقي يكتب:”دوري المناطق أساس تاريخي لا يمكن تجاهله”

عند الحديث عن دوري المناطق في السعودية، تُثار العديد من النقاشات حول اعتباره دوريًا رسميًا من عدمه، فالبعض يعترض على تصنيفه ضمن البطولات الرئيسية، رغم أنه كان النظام السائد في تلك الفترة. وإذا نظرنا إلى تاريخ الرياضة عالميًا، نجد أن العديد من البطولات الكبرى، مثل كأس العالم، بدأت بنظام بسيط وتطورت تدريجيًا، مما يجعل دوري المناطق جزءًا طبيعيًا من تطور الرياضة المحلية.
على سبيل المثال، كانت كأس العالم 1930 في الأوروغواي هي البطولة الأولى التي ضمت 13 منتخبًا فقط، ولم يكن هناك نظام تصفيات كما نعرفه اليوم. تم تقسيم الفرق إلى مجموعات، حيث تنافست على التأهل لنصف النهائي، ثم تم استخدام نظام خروج المغلوب. ورغم بساطة التنظيم، نجحت البطولة في جذب الأنظار واحتفظت بمكانتها الرياضية الهامة.
شهدت كأس العالم من 1934 إلى 1938 تغييرات هامة في نظام البطولة، حيث تم تطبيق نظام خروج المغلوب لأول مرة في تاريخ المسابقة. في نسخة 1934 في إيطاليا، كانت هذه النسخة هي الأولى التي لم يتم فيها تقسيم الفرق إلى مجموعات، بل خاضت المنتخبات مباريات خروج المغلوب بشكل مباشر. وتم إقصاء ثمانية فرق من المباراة الأولى، وهي: البرازيل، الأرجنتين، مصر، أمريكا، فرنسا، رومانيا، هولندا، وبلجيكا. وفي حال التعادل، كان يتم اللجوء إلى الأشواط الإضافية، ثم إلى مباراة فاصلة إذا استمر التعادل، كما حدث في مباراة إسبانيا وإيطاليا في ربع النهائي، حيث تعادلا 1-1 قبل أن تفوز إيطاليا في مباراة الإعادة بهدف نظيف.
في كأس العالم 1938 في فرنسا، استمر نفس النظام، لكن مع توسيع عدد الفرق المشاركة ليشمل 15 منتخبًا، وكان يتم اللعب أيضًا بنظام خروج المغلوب. كما تم التوسع في الإجراءات التنظيمية مثل فرض زمن محدد للمباريات، والمزيد من الدقة في تنظيم التصفيات.
مع مرور الوقت، خضعت البطولة لتعديلات مستمرة، حيث تم توسيع عدد المنتخبات في 1954 ليشمل 16 فريقًا، ثم إلى 24 فريقًا في 1982، قبل أن تصل إلى النظام الحالي المكوّن من 32 منتخبًا في 1998. وعلى الرغم من أن كأس العالم بدأت بنظام بسيط وبدون تصفيات معقدة، إلا أنها تطورت لتصبح من أهم البطولات الرياضية في العالم، بمشاركة العديد من المنتخبات والتغطية الإعلامية العالمية.
بالطريقة نفسها، يمكن النظر إلى دوري المناطق في السعودية كنظام تطويري لكرة القدم في المملكة. كان دوري المناطق بمثابة التصفيات المحلية التي تحدد الفرق المتنافسة في البطولات الرئيسية.
وتجدر الإشارة إلى أن نظام بطولة المناطق كان نقطة انطلاق نحو الاحترافية وتطور اللعبة في السعودية.
وعلى غرار التعديلات في كرة القدم، تم إدخال نظام “الهدف الذهبي” في عام 1993 في البطولات الدولية، حيث كان يُنهي المباراة فورًا إذا سجل أحد الفريقين هدفًا في الوقت الإضافي. هذا النظام تم تطبيقه لأول مرة في كأس العالم في نسخة 1998 في فرنسا، ولكن تم إلغاؤه في 2004. ورغم إلغاء هذا النظام، لا يُعتبر ذلك تقليلًا من قيمة البطولات التي تم تطبيقه فيها، بل كان جزءًا من تطور اللعبة.
وبالمثل، يجب النظر إلى دوري المناطق على أنه كان جزءًا من تطور كرة القدم في السعودية، وليس مجرد مرحلة انتقالية، بل كان النظام المعتمد في وقته الذي ساعد في اكتشاف المواهب وتطوير اللاعبين.
لا شك أن اختلاف الأنظمة أو تطويرها في كرة القدم لا يمكن أن يكون حجة للتفرقة بين البطولات أو التقليل من أهميتها. كل بطولة، سواء في بداياتها أو مع تطورها، تساهم في بناء تاريخ رياضي قوي.
ختامًا، دوري المناطق في تدرّجه يشبه كأس العالم في بداياتها، بدأ بنظام بسيط ثم تطوّر ليصبح أساسًا لدوري أقوى، مثل الدوري السعودي الحالي. لذا، لا يمكن تجاهل دوري المناطق أو التقليل من قيمته، بل يجب أن يُحتفل به كمرحلة مهمة في تاريخ كرة القدم السعودية.