حسن السلطان يكتب:” الاتفاق.. نموذج في الانضباط المالي”

بكل إنصاف وعدالة، ومنذ بدء مرحلة خصخصة بعض الأندية السعودية، يبرز نادي الاتفاق كنموذج فريد في الالتزام والانضباط المالي، فلو قُدّر له أن يلعب في أحد الدوريات الأوروبية، لوجد نفسه على الفور ضمن شروط قانون اللعب المالي النظيف الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي لكرة القدم “يويفا” على أنديته على عكس كثير من أندية الدوري، خاصة التي تنفق كل عام الملايين على الصفقات بدون حساب.
هذه الحقيقة ليست مبالغة، بل نتيجة مباشرة لسياسة إدارية متزنة تضع مصلحة النادي واستدامته فوق أي اعتبارات أخرى.
الإدارة الحالية لنادي الاتفاق تنفذ عملًا إداريًا من الطراز الرفيع، قائم على الانضباط المالي والتخطيط بعيد المدى وتطوير الهيكل التنظيمي، إلا أنها تصطدم بعائق كبير يتمثل في برنامج الاستقطاب والاستدامة المالية الذي يُفرض على الأندية لضمان عدم تجاوز الحدود المالية المقررة.
ورغم أهمية هذا البرنامج في ضبط النفقات، إلا أنه أصبح يشكّل حاجزًا أمام النادي في المنافسة على الأسماء الكبيرة أو إبرام صفقات لنجوم قادرين على إحداث الفارق السريع في النتائج.
المثير في الأمر أن هذا الانضباط، الذي يُفترض أن يكون ميزة، يتحول في بعض الأحيان إلى عنصر إضعاف في المنافسة، خاصة عندما نرى أندية أخرى تتمكن من جلب أسماء لامعة بأسعار مرتفعة، في حين يبقى الاتفاق ملتزمًا بقيوده المالية الصارمة، هذه المفارقة العجيبة تجعل المتابع يتساءل: هل أصبح الانضباط المالي عقبة في طريق الطموح الرياضي؟ أم أن النادي يراهن على استقرار طويل الأمد بدلًا من المجازفة؟
ورغم هذه القيود، لم يستسلم الاتفاق للواقع الصعب، بل لجأ إلى استراتيجية تعتمد على الصفقات الرخيصة واللاعبين غير المعروفين نسبيًا، مع التركيز على جلب عناصر تمتلك إمكانات فنية عالية يمكن تطويرها مع الوقت، قد لا تُرضي هذه السياسة بعض الجماهير التي تتطلع لرؤية أسماء لامعة، إلا أنها تنسجم تمامًا مع فلسفة النادي في الحفاظ على ميزانية متوازنة وعدم الدخول في دوامة الإنفاق المبالغ فيه.
التجارب في عالم كرة القدم أثبتت أن الأندية التي تحافظ على انضباطها المالي وتبني فريقها بأسلوب متدرج، تحقق في النهاية نجاحات مستدامة، فالنتائج السريعة قد تجلب فرحة لحظية، لكنها في كثير من الأحيان تأتي على حساب الاستقرار المالي وتضع النادي تحت ضغوط الديون والعجز، و الاتفاق اليوم يضع نفسه على مسار قد لا يلمع كثيرًا في العناوين الصحفية، لكنه يرسخ قاعدة صلبة لمستقبل أكثر أمانًا، ويؤسس لمشروع يمكن أن يؤتي ثماره في السنوات المقبلة لو تم خصخصة النادي.
التحدي الأكبر أمام الاتفاق هو إقناع جماهيره بأن هذا النهج هو الخيار الأمثل في الظروف الحالية، فالجماهير بطبيعتها تطمح لرؤية فريقها ينافس بقوة منذ اليوم الأول، وقد لا تتقبل بسهولة سياسة البناء حسب المتاح، لذلك يحتاج النادي إلى تواصل أكبر وشفافية أوضح مع محبيه.
في زمن أصبحت فيه كرة القدم مزيجًا بين المنافسة الرياضية والسباق المالي، يقف نادي الاتفاق كاستثناء عربي نادر يضع الالتزام المالي في صدارة أولوياته، وبينما قد يرى البعض أن هذه السياسة تُقيد طموحاته، فإنها في الواقع تمنحه فرصة ليكون أكثر استقرارًا وأقل عرضة لهزات قد تعصف بمستقبل أي نادٍ مستقبلًا، وربما يأتي اليوم الذي نرى فيه هذا الانضباط يُترجم إلى إنجازات رياضية كبيرة، تجعل الاتفاق مثالًا يحتذى به في كرة القدم السعودية والعربية على حد سواء.