منوعات

قهوة “العبده” في مدينة حائل.. إرث معماري وتاريخ خالد

زارها المؤسس والملوك والأمراء

 

 

الكأس – خلف العفنان

تُعد قهوة عائلة “العبده” من أبرز المعالم التراثية في مدينة حائل ، حيث تمثل نموذجا معماريا فريدا يعكس حياة الأجداد ، وتوثق صورة حيّة من الماضي الذي ارتبط بالعادات والتقاليد وطرق العيش اليومية في منطقة حائل. هذا الموقع الأثري لم يكن مجرد بناء من طين وجذوع أثل وجريد نخيل، بل أصبح على مرّ السنين رمزا للموروث الحائلي الأصيل ، ووجهة للزوار والباحثين عن عبق التاريخ وسحر العمارة التقليدية.

ويحمل هذا المكان في طياته قيمة تاريخية كبرى ، إذ حظي بشرف استقبال مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – أثناء زيارته لمنطقة حائل. ولم يقف الأمر عند ذلك، فقد زاره أيضا الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – ، كما زاره الأمير فهد بن سعد آل سعود أمير منطقة حائل السابق – رحمه الله –.

ويوضح الأستاذ سعود بن علي العبده أن القهوة هي جزء من مبنى أثري متكامل يضم مقصورة شاهقة وبيتا طينيا كان مسكنا للعائلة. ويعود تاريخ بناء القهوة إلى ما يزيد عن قرن وأربعة عقود وتحديدا عام ١٣٠٦ هجرية ، حيث شُيدت بأسلوب البناء بالعروق، وهو من أكثر أنماط البناء الطيني صلابة ومتانة. وقد صُمم سقف القهوة بارتفاع يصل إلى تسعة أمتار لتأمين التهوية المثالية أثناء إشعال النار في “الوجار” ، في حين استُخدمت المواد المحلية المتوفرة مثل الطين ، وجذوع الأثل ، وجريد النخيل ، وهي عناصر بيئية ساعدت على تحقيق توازن حراري فريد: فالجدران تخزن الحرارة في فصل الشتاء وتوفر الدفء ، بينما تعزلها في الصيف لتمنح الداخل برودة نسبية.

وأضاف سعود العبده: لم يكن تشييد القهوة والمقصورة مجرد عمل اعتيادي ، بل كان نتاج عقول هندسية محلية بارعة ، تمكنت من إقامة منشأة متينة قاومت عوامل الطبيعة لعقود طويلة دون أن تفقد ملامحها الأصلية , وأن هذا الإبداع الهندسي يكشف أن أهل منطقة حائل امتلكوا معارف متقدمة في العمارة التقليدية ، فجاء البناء شامخا صامدا وشاهدا على مهارة البنّائين وإبداعهم.

وأوضح سعود العبده أنه رغم مرور أكثر من مئة وأربعين عاما على تشييدها، إلا أن القهوة والمقصورة حافظتا على أصالتهما بفضل عمليات ترميم بسيطة أجريت لهما ، لم تمس جوهر الهوية أو تشوّه تفاصيلها المعمارية. أما المنزل الملاصق لهما فيخضع حاليا لأعمال ترميم دقيقة تهدف إلى إعادته إلى حالته الأصلية ، ليكتمل المشهد التراثي كما كان في عهد الأجداد، وبطريقة تضمن استدامة هذا الإرث التاريخي للأجيال القادمة.

وختم سعود العبده حديثه الذي خص به صحيفة “الكأس” أن قهوة “العبده” لازالت تؤدي دورها الاجتماعي حتى يومنا هذا ، فهي ليست أثرا صامتا بل بيت كرم حيّ يستقبل الضيوف والزوار من مختلف أنحاء المملكة وخارجها على مدار الأسبوع. وقد وجه سعود العبده دعوة مفتوحة لكل عشاق التراث الأصيل لزيارة هذا المعلم ، مؤكدا أن أبواب القهوة مشرعة دائما ، وأن العائلة تواصل تقاليد الضيافة التي ورثتها عن أسلافها.

هذا وتنتسب عائلة “العبده” إلى الجعفر من قبيلة شمر، وهي من الأسر الكريمة المشهورة بالطيب والكرم وحسن المعشر. وقد عُرف رجالها بالصفات الحميدة التي جعلتهم محل تقدير في محيطهم الاجتماعي ، كما تغنّى الشعراء بعائلة “العبده” وبأعلامها وعددوا بمآثرها , ووثقوا سيرتهم في قصائد بديعة خلدت مكانتهم , ومن أبرز ما قيل في مدح هذه العائلة وأعلامها أبيات للشاعر فهد الغسلان، قال فيها:

لي ديرةٍ ما بين حزوا وبرزان
ما صكّت السمراء ومضنك شعيبه
وأنا على هويت هالكسوق ولهان
لكن مهنا سلمن نرتقيبه
في قصر حمال الثقايل سليمان
الله يفكه من مصالي لهيبه
وأبو حمود ليا جوه ضيفان
يبدي كلامٍ مثل صافي حليبه
وجماعةٍ الكل منهم بليهان
شيالةٍ للحمول الثقيله

هذه الأبيات لم تكن مجرد مدح بل شهادة شعرية على كرم عائلة “العبده” ومكانتها ، وعلى دور أعلامها في حمل المسؤوليات الاجتماعية والقيام بواجبات الضيافة والعون.

إلى ذلك حرصت صحيفة “الكأس” على القيام بجولة ميدانية في الموقع ، حيث وثقت تفاصيل القهوة والمقصورة ، والتقت بأهلها ، مسلطة الضوء على قيمتها التراثية والإنسانية ، في خطوة تهدف إلى تعريف الأجيال الجديدة بهذا الإرث والمحافظة عليه كجزء لا يتجزأ من هوية منطقة حائل وتاريخها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com