مقالات رأي

ماجد الغامدي يكتب:” الأزقة وصناعة المواهب دون تخطيط”

 

‏في أزقة الأحياء القديمة، حيث لم تكن هناك ملاعب مزروعة أو أكاديميات تدريبية فاخرة، كانت كرة القدم تُمارس بروحها النقية. كنا نلعب الكرة في مساحات ضيقة، بين الجدران والأسوار، ونبتكر طرقًا وألعابًا لم نكن ندرك حينها أنها تحمل في طياتها أساليب تدريبية حديثة أصبحت تُدرس اليوم في أكاديميات كرة القدم العالمية.

‏لعبنا ٣ ضد ٣، ٢ ضد ٢، أو حتى ١ ضد ١، ليس لأننا كنا نعرف أنها طرق تدريبية، بل لأن ظروفنا فرضت علينا أن نبدع بأسلوبنا الخاص. في تلك اللحظات، لم نكن نبحث عن التكتيكات أو الاستراتيجيات، كنا نبحث عن المتعة، عن الضحك، وعن التحدي البسيط بين الأصدقاء. لكن، دون أن ندري، كنا نبني مهاراتنا، نطور تحكمنا بالكرة، ونصقل مهاراتنا في المساحات الضيقة، ونُنمّي حس الإبداع والسرعة في اتخاذ القرار.

‏كم من نجم بدأ رحلته في تلك الأزقة؟ كم من موهبة ظهرت من هذه الألعاب البسيطة؟ كنا نلعب “صياد السمك” لنُحسن التمرير القصير، ونتحدى بعضنا في ١ ضد ١ لنطوّر المراوغة والقدرة على المواجهة، ونمارس التسديد على الجدران كأنها مرمى لنتقن التصويب وضرب الكرة بالرأس . كل حركة، كل لعبة، كانت جزءًا من تدريب يومي لم نكن نُخطط له، لكنه كان يصنع منا لاعبين أفضل.

‏ظروف الحياة حينها كانت بسيطة، لكنها كانت مليئة بالمعاني. لم يكن هناك مدرب يُوجهنا، لكن كان هناك شغف يقودنا. لم يكن هناك منهج تدريبي، لكن كانت هناك عزيمة تجعلنا نلعب حتى تغرب الشمس. هذه البساطة هي التي صنعت جيلاً من اللاعبين الذين تركوا بصمتهم في كرة القدم المحلية، وربما حتى العالمية.

‏اليوم، عندما ننظر إلى الأكاديميات الحديثة وأساليبها، نجد أن الكثير مما كنا نمارسه في طفولتنا أصبح يُعتبر جزءًا من المناهج التدريبية المتطورة. لكن الفرق أن ما كنا نفعله كان نابعًا من القلب، من حبنا للعبة، من الظروف التي جعلتنا نُبدع بمواردنا المتواضعة.

‏كرة الأحياء لم تكن مجرد لعبة، بل كانت مدرسة.
‏مدرسة علمتنا المهارات، الإصرار، العمل الجماعي، وحتى كيفية مواجهة التحديات. تلك الأزقة لم تكن مجرد أماكن للعب، بل كانت ملاعب أحلامنا، حيث كنا نصنع ذكرياتنا ونبني أحلامنا دون أن ندري أننا نصنع شيئًا أكبر من مجرد كرة قدم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com