داليا المتبولي تكتب: “اليوم الوطني السعودي.. ميلاد يتجدد كل عام”

يشرق الثالث والعشرون من سبتمبر، فإذا بالأرض كلها تتحول إلى سطرٍ في كتاب المجد، وإذا بالسماء تنحني كأنها تُصغي إلى حكاية وطنٍ صاغ ذاته من العدم، ونهض على قسوة الصحراء، فصار من رمالها قلاعاً، ومن قلوب أهله صرحاً لا تهزّه العواصف. إنّه اليوم الوطني السعودي، اليوم الذي تتجلّى فيه معاني الولادة الثانية، لا لمملكة وحدها، بل لأمةٍ بأكملها.
هو اليوم الذي أعاد صياغة الخريطة، وأعطى للجزيرة العربية قلباً نابضاً، وجمع شتات الأرض المتناثرة بيد مؤسسٍ استثنائي، الملك عبد العزيز، الذي لم يكن رجلاً من لحمٍ ودم فحسب، بل كان إرادةً تمشي، وحلماً يتجسد، وصوتاً من عمق القدر يستدعي أمة لتنهض من كبوتها، ولتثبت أن الصحراء لا تُنبت القحط وحده، بل قد تُخرج رجالاً تُبنى على سواعدهم الممالك، خرج عبد العزيز آل سعود حاملاً راية التوحيد، عاقداً العزم على أن يجمع ما تفرّق، ويصوغ من شتات الصحراء كياناً واحداً راسخ الأركان. لم يكن مشروعه غزواً عابراً ولا توسعاً آنياً، بل رؤية بعيدة المدى، أراد بها إقامة دولة تتجاوز حدود القبيلة لتصير وطناً يحتضن الجميع تحت راية التوحيد وكلمة الشهادة.
في هذا اليوم، يستحضر السعوديون عرق الأجداد، وصبرهم الطويل، وأحلاماً لم تُقَدَّم على طبق من ذهب، بل صيغت على نار التحدي. اليوم الوطني ليس ذكرى عابرة تُزخرف بالخطب والأعلام، بل هو عودة إلى أصل الهوية، إلى معنى الوطن حين يتجاوز الأرض إلى الروح، وحين يصبح الانتماء رابطاً أعمق من الدم، وأقوى من حدود الجغرافيا.
إن المملكة، في يومها الوطني، تكتسي بحلةٍ خضراء من نور، كأنها آية تتلى، وكأنها وعدٌ قديم يتحقق في حاضرٍ نابضٍ بالكرامة. تتوحّد الأصوات في الشمال والجنوب، في الشرق والغرب، لتقول بصوت واحد: هنا وطنٌ لم يتخلَّ عن أبنائه، ولن يتخلوا عنه. وطنٌ يمد جذوره في أعماق التاريخ، ويرفع فروعه نحو مستقبلٍ لا تحدّه الآفاق.
واليوم يطل اليوم الوطني السعودي من جديد ليشهد علي حاضر مشرق في عهد الملك سلمان وبقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، كأنه الامتداد الطبيعي لحلم المؤسس، حاملاً شعلة النهضة، وممسكاً بزمام الرؤية التي تصوغ ملامح الغد.. إنه يقود أمةً تتطلع إلى آفاق العلم والاقتصاد والفنون، لا لتلحق بركب العالم فحسب، بل لتكون في طليعته، صانعة للفكر، ومصدّرة للمعرفة حيث ، تتعانق الأصالة مع الحداثة .
ويزدهر الحلم السعودي في مدن تنبض بالمستقبل، شاهدة أن النهضة ليست وعداً، بل واقع يتشكل كل يوم، ف نيوم ليست مشروعًا عمرانيًا فحسب، بل رؤية كونية لمدينة المستقبل، تقف على شاطئ البحر الأحمر شاهدة أن الحلم العربي قادر على أن يسبق العالم بخطوات ، وفي عمق الجبال تتلألأ تروجينا، وجهة تجمع الثلج والنور، فيما ترسو على السواحل أوكساجون، المدينة الصناعية التي تفتح أبواب اقتصادٍ جديدٍ قائم على الابتكار والمعرفة. وعلى امتداد خليج العقبة تتوزع لآلئ سياحية كـ سندالة وسيرانا وإبيكون وزاردون، لتجعل من البحر مرآة لنهضة تُدهش العالم.
ولم تقف النهضة عند حدود البحر والصحراء، بل امتدت إلى العمق التاريخي عبر مشروع الدرعية، وإلى قلب العاصمة بمشروع المربع الجديد، وإلى قمم عسير بمشروع قمم السودة، حيث تتعانق الطبيعة مع الطموح.
إنها نهضة شاملة تُبرهن أن المملكة لا تبني بالحجر وحده، بل تبني بالإنسان، وبالإرادة التي لا تعرف المستحيل. إنها حضارة تتجدد، وراية تواصل صعودها، وأمة تسير بخطى واثقة نحو غدٍ يليق بتاريخها ومكانتها.لتعلن ان المملكة ولدت لتبقي أبدا كالنجم الهادي، وكالراية الخضراء التي تعانق السماء وتشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.