حسن السلطان يكتب:”الأغلبية الصامتة من جمهور الاتفاق”

أكتب هذا المقال من المهجر، بعيدًا عن أي مصلحة مرجوة، لأن البعض لا يرى في الآراء إلا التشكيك، وأنا وبكل وضوح، شخص لو حصل على فرصة عمل عن بُعد في أي نادٍ فسأقبل بها دون تردد، ولا يهم اسم النادي، حتى لو كان ريال مدريد الذي أراه من وجهة نظري أسوأ نادٍ في العالم، وسأشجعه ضد برشلونة فريقي المفضل، لأن العمل قرار عقلاني بينما التشجيع انتماء عاطفي لا يجب أن يختلط به.
دعني أدخل مباشرة في صلب الفكرة التي أكتب عنها، والتي تختلج في صدري منذ مدة طويلة، وهي أن من أكبر مشاكلنا أن المعتدلين في أي معركة بين معارضة وموالاة هم الأكثر صمتًا، و كثير منهم يخشى أن يتحدث لأن أي كلمة قد تُفسَّر على أنها انحياز لطرف أو دخول في فتنة لا يريد أساسًا الاقتراب منها.
وحتى في التاريخ، نجد المثال ذاته مع الزير سالم، حين اعتبر في بداية الصراع أن تدخل الحارث بن عباد ميل للبكريين لمجرد قربه لهم في النسب، رغم أن الرجل أعلن حياده منذ اللحظة الأولى وسعى للصلح، هذا يوضح مشكلة بشرية عميقة: الحياد و الاعتدال في زمن الصراع يُقرأ دائمًا على أنه انحياز.
وتحديدًا في البيت الاتفاقي اليوم، لا نجد الوضع بعيدًا عن هذا المشهد، فالمعارضة بطبيعتها أكثر حماسة، أعلى صوتًا، وأطول نفسًا في أي نقاش، وهذا ليس انتقاصًا منهم؛ فهو سلوك إنساني طبيعي موجود في كل العالم، لكن المشكلة أن هذا الصوت العالي قد يجعل أي رأي معتدل يُفسَّر مباشرة على أنه ضدهم، أو أنه طرفٌ خفي في المعركة، و من هنا يصبح صوت العقل مفقودًا وسط الضجيج.
سأتوقف عند مثالين ليس انتقاد لأحد، وإنما لفهم طريقة التفكير البشري عند الاحتجاج والمعارضة.
المثال الأول هو الانتخابات الأخيرة، حيث دخلت عدة قوائم إلى المنافسة، وكلها قبلت سلفًا بأسلوب الانتخابات وطريقتها، وبالرغم من إمكانية تأثير المال وشراء الأصوات بأي طريقة، هي أمور ليست جديدة في العالم ولا حكرًا على جهة معينة، إلا أن النتيجة جاءت بفوز قائمة لا يريدها كثير من المعارضين، ولو فازت القائمة التي يرغبون بها لتغيّر كل شيء، ولأصبح الأسلوب ذاته ربما عادلاً وشفافًا، رغم أنه لم يتغير، فالمشكلة ليست في عدالة الانتخابات، بل في عدالة النتيجة بالنسبة للمتلقي.
المثال الثاني هو تعيين مجلس إدارة الجماهير، حيث أن بعض الأصوات اعتبرت التعيين غير عادل لأنه لم يكن انتخابًا عامًا، برغم أن المجلس يضم توجهات مختلفة وصوتًا معارضًا قويًا، والأغرب أن من يعترضون على الطريقة قد يقبلونها تمامًا لو تم اختيارهم ضمن الأسماء، وهذه مفارقة بشرية شهيرة ليس لها علاقة بالطريقة: ما نرفضه اليوم لأنه لا يخدمنا نقبله غدًا بكل رضا فقط لأنه أصبح لصالحنا.
كل ما أسوقه هنا ليس انتقادًا للمعارضة ولا تزكية للمؤيدين الذي بعضهم تجاوز كل حدود الاحترام، و لكن المؤيدون بطبيعتهم يحبون الشخصيات المعتدلة، والمعارضون ينتقدونها ويعتبرونها ضعفًا أو ترددًا، لكن الحقيقة أن الأغلبية الصامتة ليست سلبية كما يُظن، فصمتها أحيانًا حكمة، وأحيانًا رغبة في عدم الانجرار إلى ضجيج لا ينتهي، وأحيانًا يأس من جدال لا يثمر، لكنها تبقى القوة الحقيقية التي تحدد المزاج العام، ولو قررت يومًا أن تتحدث في كل أمر لحُسمت الكثير من الخلافات في لحظة.
وأخيرًا، أقول لإخوتنا المعارضين بكل احترام، إنني أقدّر محبتكم للكيان، وأعلم أن دوافعكم ليست مصالح شخصية بل حرص صادق على النادي، لكن قضيتكم العادلة لن تنتصر بكسب مزيد من الخصوم، بل بمحاولة كسب مزيد من الأصدقاء، فالأغلبية الصامتة ليست عدوكم، بل جمهور ينتظر خطابًا هادئًا، منطقيًا، يحترم عقله ولا يستفز عاطفته.
ويبقى البيت الاتفاقي، بكل اختلافاته، بيتًا واحدًا يجمع الكل.



