حسين الذكر يكتب:” (وش الفايدة).. قبلة على رأس رينارد!”

سجّلت مباراة المغرب والسعودية أعلى رقم قياسي في بطولة كأس العرب 2025 حتى الآن، بحضور جماهيري اقترب من ثمانين ألف متفرج، في دلالة تتجاوز حدود المدرجات، ولا يمكن اختزالها في أرقام جامدة يدوّنها قلم إحصائي دون الغوص في تفاصيلها وأبعادها الاجتماعية والثقافية، فضلًا عن الاقتصادية.
موقعة الأسود مع الأخضر لم تختلف فنيًا كثيرًا عن بقية مباريات البطولة التي طغى عليها الحماس والحميمية أكثر من الإبداع الفني، سواء المهاري الفردي أو التكتيكي الجماعي، لكنها حملت مضامين مهمة ينبغي أخذها في الحسبان عند بحث الملف الرياضي وتأثيراته الحياتية المتجددة، مع التأكيد على ضرورة تطوير الجوانب الفنية بوصفها أداة الجذب الأساسية.
وتشير مذكّرات المدرب هيرفي رينارد إلى أنه أخفق في ما يُعرف بـ عقدة المغرب؛ إذ سبق أن خسر أمامهم بثلاثية نظيفة أثناء قيادته لزامبيا، ثم تعادل معهم سلبيًا عام 2008، وهذه هي المواجهة الثالثة التي يخسرها بقيادة الأخضر السعودي.
ومن اللقطات المثيرة في المباراة إهدار السعودي عبدالله الحمدان ركلة جزاء كانت كفيلة بتغيير النتيجة وربما مسار المباراة بالكامل، قبل أن يطيح بها في تسديدة وُصفت بـ”الطائشة”. ومن المعروف أن ركلات الجزاء لا تخضع دائمًا لمعايير فنية حاسمة؛ فالجانب النفسي والمعنوي، إضافة إلى “التوفيق”، يلعبان الدور الأكبر، وهذا ما يحدث كثيرًا لنجوم الكرة العالمية في أهم المباريات.
جاء قرار الإدارة السعودية بظهور الحمدان إلى جانب رينارد في المؤتمر الصحفي بعد المباراة قرارًا صائبًا — كما يبدو — اتفق عليه أصحاب القرار الإداري والفني في المنتخب، في إشارة ذات دلالة مؤسساتية ذات بُعد “أسري”. وقد قدّم الحمدان نموذجًا رائعًا في التعامل النفسي، إذ دخل المؤتمر واضعًا قبلة على رأس رينارد، الذي تجاهلها بمسحة عتب مفهومة؛ ليصرّ عبدالله على إعادة القبلة ثانية، فتمسح الكثير من السلبيات المصاحبة للمباراة، وتفتح بوابة نفسية وفنية مشرقة لمبارياته المقبلة.
وفي إحدى لقطات مراسلي برنامج المجلس على قناة الكأس، الذين يجوبون البطولة بجهد ميداني كبير لرصد كل صغيرة وكبيرة — حتى إن لم يجدوا الحدث صنعوه! وهذا هو الإعلام الحديث — التقى المراسل بعد مباراة عُمان وجزر القمر، التي انتهت بتوديع المنتخبين للبطولة، بأحد مشجعي المنتخب العماني. وكان شابًا تحدّث بحرقة ودموع واضحة قائلاً:
«وشو الفايدة؟ وشو الفايدة من الفوز على جزر القمر ونحن خارج البطولة؟
جيت هنا بالدموع والتوسل لأبي حتى يسمح لي بالسفر رغم دراستي وظروفي..
نحن نبي نفوز يا اتحاد الكرة العماني، ما جينا نضيّع الوقت ونرجع كل مرة مكسورين الخاطر».
كانت كلمات موجعة للمتلقي العام، وبالتأكيد للاتحاد العماني، الذي يجب أن يُنصت لصوت عمان الحقيقي المتجسد على لسان جماهيره، لا سيما الشباب منهم.



