فوز الرحيلي تكتب :”نظام الرياضة الجديد بين إعادة ضبط المشهد وتحديات التطبيق”

إقرار نظام الرياضة الجديد يمثل محطة تنظيمية مهمة في مسار الحوكمة الرياضية في المملكة ليس فقط لأنه يعيد صياغة العلاقة بين الوزارة والكيانات الرياضية بل لأنه يحاول للمرة الأولى وضع إطار تشريعي شامل يضبط الإعلام الرياضي والكيانات واللجان والاتحادات وصولًا إلى البيانات والإحصاءات غير أن قوة أي نظام لا تُقاس بعدد مواده بل بوضوح فلسفته وقابلية تطبيقه واتساق أدواته التنفيذية مع الواقع الرياضي المتشابك.
أبرز ما يحسب للنظام الجديد هو نقله الخطاب الرياضي من مرحلة “الإدارة” إلى مرحلة “الحوكمة” فالنظام يحدد بوضوح أدوار الوزارة في التنمية والدعم والتنظيم دون الانغماس المباشر في التفاصيل التشغيلية اليومية وهو توجه يتسق مع نماذج الحوكمة الحديثة ومع مستهدفات رؤية 2030.
النظام يمنح مساحة واضحة لتنمية الحركة الرياضية دعم المواهب الاستثمار في البحوث وتوسيع قاعدة الممارسة وهي عناصر ظلت لسنوات تطرح كشعارات أكثر من كونها التزامات نظامية إدراج ذوي الإعاقة ضمن نصوص واضحة للدعم والمشاركة وتهيئة المنشآت يعكس نضجًا تشريعيًا طال انتظاره.
كذلك فإن تنظيم الكيانات الرياضية غير الربحية واللجان الأولمبية والبارالمبية وربطها بالسجل والأنظمة الأساسية يعزز مبدأ الشفافية ويحد من الفوضى التنظيمية التي كانت سائدة في بعض الاتحادات واللجان.
ومن الزوايا اللافتة ما ورد في المواد المتعلقة بوسائل الإعلام الرياضي حيث تم النص صراحة على مسؤولية نشر الروح الرياضية ومنع خطاب الكراهية والعنصرية والتعصب مع إسناد سلطة اتخاذ الإجراءات النظامية للجهة المختصة. هذا التحول ينقل الإعلام الرياضي من مساحة “التحريض غير المحاسب” إلى إطار المساءلة النظامية.
رغم شمولية النظام، إلا أن أحد أبرز مآخذه يتمثل في عمومية عدد من المواد خصوصًا تلك المتعلقة بالإعلام الرياضي والعقوبات فالنظام يقرر المبدأ لكنه لا يحدد بدقة آليات القياس ولا معايير تصنيف المخالفات ولا الفاصل الواضح بين الرأي المهني والنقد المشروع من جهة وبين التعصب المجرّم من جهة أخرى ترك هذه المساحة مفتوحة بالكامل للائحة التنفيذية قد يخلق إشكاليات تطبيقية لاحقًا.
كذلك، فإن النصوص التي تتحدث عن “الجهة المختصة” دون تحديد صريح قد تفتح باب تضارب الصلاحيات بين الوزارة، وهيئات التنظيم الإعلامي واللجان المختصة ما لم تُحسم هذه العلاقة تنظيميًا بشكل دقيق.
النظام أيضًا يركز على البناء المؤسسي لكنه لا يتوسع بما يكفي في ضمان استقلالية بعض الكيانات خاصة الاتحادات عن التأثيرات غير الرياضية فالحوكمة لا تتحقق بالنص وحده بل بتوازن حقيقي بين الاستقلال والمساءلة وهو توازن لم يتضح بالكامل في بعض المواد.
أما مهلة الـ180 يومًا قبل النفاذ فهي إيجابية من حيث الإتاحة للاستعداد لكنها في المقابل تثير تساؤلًا مشروعًا: هل ستُستثمر هذه المهلة في بناء لوائح تنفيذية دقيقة وتوعية إعلامية وقانونية حقيقية، أم ستُهدر كما أُهدرت مهَل سابقة في أنظمة أخرى؟
الخطر الأكبر الذي يواجه النظام ليس في صياغته بل في انتقائية التطبيق فإذا طُبق النظام بحزم على الجميع من إعلاميين ومؤثرين وكيانات وأندية فإنه سيُحدث نقلة نوعية في المشهد الرياضي أما إذا تحول إلى أداة تُفعّل على طرف وتُعطّل على آخر فسيعيد إنتاج الأزمة بصورة قانونية أشد تعقيدًا.
النظام وضع الأساس لكنه لم يضمن بعد العدالة في التنفيذ ولا وضوح الحدود بين التنظيم والتقييد وهنا يكمن الاختبار الحقيقي لنجاحه.
خلاصة القول:
نظام الرياضة الجديد وثيقة تنظيمية متقدمة في بنيتها إيجابية في فلسفتها العامة لكنها لا تزال بحاجة إلى لوائح تنفيذية دقيقة وخطاب توعوي صريح وإرادة تطبيق متوازنة لا تخضع للضغوط الجماهيرية أو الإعلامية نجاح النظام لن يُقاس بصرامة نصوصه بل بقدرته على إعادة الانضباط للمشهد الرياضي دون خنق النقد وحماية الروح الرياضية دون مصادرة الرأي.
وحتى ذلك الحين، يظل النظام وعدًا تشريعيًا كبيرًا… ينتظر اختبار الواقع.



