الكرة العربية

باكستان الموطن الأصلي لــ صناعة الكرة

 

الكأس- جمال عبدالحميد

كرة القدم ” حضرة صاحبة الجلالة” الساحرة المستديرة ،عالم من الإبداع الإنساني والمتعة والإثارة ، عالم ملئ بالتناقضات والعجائب والغرائب والمفارقات المثيرة ، وهو ما يتجسد حرفيا في دولة مثل باكستان التي لا تحظى بشعبية طاغية في المجال الكروي ، ورغم ذلك فإن المفارقة العجيبة أن معظم كرات القدم في العالم قد انتجت في إقليم البنجاب الباكستاني الريفي بفضل العُمال المحليين المهرة العاملين بالورش والمعامل والمصانع الآلية واليدوية التي أنشأتها المؤسسات والشركات الرياضية العملاقة في مدينة سيالكوت الباكستانية التي تعتبر الموطن الأصلي لصناعة الكرة في العالم .

تقع مدينة سيالكوت في شمال شرق أقليم البنجاب الريفي وهي ثالث أكبر مدينة في باكستان من حيث عدد السكان وايضا واحدة من أكبر المناطق الصناعية إلى جانب المدن المجاورة مثل جوجرا نوالا وكجرات، والاورشكرجار ،و باسرو، وقلعة سوباسنج،و تشكل سيالكوت جزءًا مما يسمى «المثلث الذهبي» للمدن الصناعية ذات الاقتصادات الموجهة للتصدير من خلال الصادرات والتي تأتي صناعة الادوات الرياضية وبالأخص كرة القدم على رأسها .

أبطال وعظماء

لعبة كرة القدم في باكستان لا تحظى بالشهرة والاهتمام بين سكان البلاد اللذين يفضلون ويتفوقون في الاسكواش و الكريكيت والهوكي على العشب، لكن بسبب مهارة وحرفية أبناء سيالكوت في حياكة وصناعة الكرة دخلت مدينة سيالكوت الباكستانية تاريخ كرة القدم من بابه الواسع، كونها المدينة المسئولة عن صناعة ثلثي كرات القدم في العالم .

ويُعد العمال والحرفيين المحليين المهرة من أبناء مدينة سيالكوت هم اصحاب الريادة في صناعة الكرة اللعبة الشعبية الأولى في العالم، مما جعلهم يتصدرون المشهد، حتى وصل الأمر بصحيفة «جلوبال بوست» الأمريكية إلى وصفهم بـ”أبطال بلا منازع” في صناعة الكرات منذ ما يقارب القرن من الزمن.

 

البداية مع مضرب الاسكواش

 

ويعود تاريخ سيالكوت مع صناعة الادوات الرياضية بصفة عامة إلى الحقبة الاستعمارية اثناء القرن التاسع عشر عندما كانت المدينة هي إحدى المستعمرات البريطانية عندما احتلها الإنجليز وأنشأوا فيها قاعدة عسكرية ففي عام 1883 بنى سردار بهادور سينغ وسردار غاندا مصنعاً لإصلاح وإنتاج السلع الرياضية المصنعة من الخشب، لتلبية طلبات الجنود البريطانيين الذين كانوا يمارسون الكريكيت والهوكي على العشب والاسكواش والجولف وذلك عندما طلب أحد الضباط البريطانيين مساعدة احد الحرفيين في إصلاح مضربه المكسور أو صناعة واحد جديد وهو ماحدث بالفعل فبعد ايام تم صناعة مضرب اسكواش بنفس المواصفات ربما أفضل .

كرات القدم

من مضارب الكريكيت والهوكي والاسكواش بدأت سيالكوت في صناعة كل انواع الادوات الرياضية ومنها كرة القدم خصوصا أن المدينة اشتهرت بصناعة الجلود وما يرتبط منها بمهارة الحرف اليدوية التي كان يتقنها بحرفية عالية العمال المحليين وكان من بينهم “فازال إيلاهي” الذي عهد إليه، في أحد أيام عام ١٨٨٩ جندي في الجيش البريطاني إصلاح كرته المثقوبة،المتهالكة من كثرة أداء مباريات كرة القدم في المعسكر الانجليزي بين الجنود والضباط ، كي لا يضطر إلى الانتظار أشهراً قبل عودته إلى وطنه من أجل الحصول على كرة جديدة وقتها نجح إيلاهي في إصلاح الكرة، ومن هنا بدأت القصة ونسجت العلاقة بين سيالكوت في باكستان وصناعة الكرات.

أبو الصناعة الباكستانية

لم يكتف المهرة من أبناء مدينة سيالكوت بخياطة وحياكة الكرة وإصلاحها من الثقوب ؛ بل أنهم تفننوا بإعادة صناعة وهندسة الكرة بشكل مغاير للشكل والمظهر الذي كانت عليه، وبراءة اختراع هذه الفكرة الخلاقة يعود إلى شخص سيالكوتي يُدعى “سيد صاحب” الذي كان يعمل في العام ١٩١٨ بمصنع “أوبروي” الذي جاءه يوماً أحد الجنود البريطانيين طالباً إصلاح كرته وأوكلت إدارة المصنع المهمة إلى سيد الذي قرر أن يقوم بإجراء عملية تجميل جراحية كاملة للكرة من حيث الشكل والاستدارة وهو ما قد كان ومنذ ذلك الحين أصبح “سبد صاحب” الذي يوجد شارع باسمه في مدينة سيالكوت بالإضافة إلى مصنعه الخاص معروفاً بأنه “أبو صناعة كرة القدم الباكستانية” ، وقد منحته الحكومة البريطانية عام ١٩٢٢ مهمة توريد كرات قدم لجنودها في سنغافورة، مما أعطى صناعته بعداً عالمياً.

سيالكوت والمونديال

على الرغم من أن سيالكوت تشارك بعض المدن الأخرى في المغرب والصين والهند وفيتنام وسنغافورة وتايلاند صناعة كرة القدم، فإن تُشكل سيالكوت حالة خاصة في عالم صناعة كرة القدم، وهي التي تورد وتنتج نحو 60 مليون كرة قدم سنوياً، لتستحوذ وحدها على نحو 70% من إجمالي الإنتاج في العالم وذلك يعود في المقام الأول الى حرفية ومهارة عمال مدينة سيالكوت في خياطة وحياكة الكرة مما جعل المدينة الباكستانية الأولى في هذا المجال وهو ما أعطاها شرف إنتاج كرة مونديال اسبانيا ١٩٨٢ المعروفة باسم «تانجو إسبانيا» والتي كانت آخر الكرات التي تتم صناعتها من الجلد الطبيعي.

كما كُلفت سيالكوت من شركة «أديداس» العالمية في إنتاج الادوات الرياضية بصناعة «كويسترا» وهو اسم الكرة التي استعملت في كأس العالم بالولايات المتحدة الأمريكية عام ١٩٩٤، ومن ثم المونديال الفرنسي عام ١٩٩٨ والكرة «تريكوكلر» التي صنعت في المغرب وباكستان وكانت أول كرة ملونة على الإطلاق وابتعدت عن نمط الأبيض والأسود الذي كان سائداً.
وأعطيت سيالكوت حصرية صناعة الكرة «فيفيرنوفا» في مونديال كوريا الجنوبية واليابان عام ٢٠٠٢، قبل أن تغيب عن المشهد لمصلحة تايلاند عام ٢٠٠٦ والصين في ٢٠١٠ لكن عجز مصانع الأخيرة عن تلبية الطلب المتزايد لشركة «أديداس» جعلتها تلجأ إلى مصانع المدينة الباكستانية للمساعدة والانقاذ .
ثم عادت وأوكلت شركة «أديداس» لمصانع مدينة سيالكوت التي تقع على بعد 300 كيلومتر جنوب شرق العاصمة الباكستانية إسلام آباد مهمة المشاركة مع الصين في صناعة «برازوكا» الكرة الرسمية لكأس العالم ٢٠١٤ في البرازيل.

كرة القدم السيالكوتية عادت إلى الواجهة مرة اخرى وتم انتخابها لتكون” تليستار ” الكرة الرسمية في كأس العالم روسيا ٢٠١٨ وهو نفس ما حدث في مونديال قطر ٢٠٢٢ حيث تم استخدام كرة تحمل اسم “الرحلة” في فعاليات ومنافسات العرس الكروي العالمي صنعت بايدي باكستانية .

إدارة الموقع

نبذة عن ادارة الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com