منوعاتواحة الشعر و الفن

بهنام عطا الله: تستهويني قصائد النثر..سعيد بترجمة أعمالي و”فصول المكائد” الأقرب لقلبي

أجرت “الكأس”، حواراً مطولاً مع الشاعر والإعلامي، الأكاديمي العراقي الدكتور بهنام عطا الله، تحدث عبره عن الكثير من الامور المتعلقة به وتجربته المتفرعة والمتسلسلة ما بين الشعر والأدب والإعلام والعمل الأكاديمي، موضحاً كيفية توفيقه بين كل هذه الجوانب، كما عرج في حديثه للكأس عن الجوانب الأخرى المتعلقة بالشعر العراقي والعربي وما حققه في مسيرته الطويلة.

*لكل مبدع بلا شك مشاهد مهمة في تاريخه الشعري والإعلامي، هل لك أن تحدث قراء صحيفتنا الأعزاء بإيجاز عن محطات من سيرتك الذاتية المبدعة؟
– كانت ولادتي في محافظة نينوى بالعراق – قضاء الحمدانية.. درستُ وتعلمتُ في مدارس بلدتي الجميلة (بخديدا)، الأبجدية الأولى للكتابة والقراءة والإبداع منذ المرحلة الإبتدائية والمتوسطة فالثانوية. بعد ذلك درستُ بجامعة الموصل فأكملت دراستي الجامعية الأولية حاصلاً على شهادة البكالوريوس في الجغرافية، فعُيّنتُ مدرساً لمادة الجغرافية. بعد تخرجي بسنوات قبلتُ في الدراسات العليا ونلتُ شهادة الماجستير العام 1989 والدكتوراة العام 1999 في تخصص علم الخرائط من قسم الجغرافية / كلية التربية بجامعة الموصل. بدأت الكتابة والنشر العام 1972 عندما كنتُ طالباً في المرحلة المتوسطة. نشرت نصوصي الشعرية ومقالاتي وحواراتي في أغلب الصحف العراقية وبعض المجلات الكويتية آنذاك. أصدرتُ 30 كتاباً بمفردي أو مشتركا مع آخرين من الكتاب. صدر عن تجربتي النقدية سبعةُ كتبٍ والثامن في طريقه للصدور عن دار نون للطباعة والنشر.

*متى وأين بدأت الولوج في عالم الشعر الجميل ومتى كانت أول تجربة شعرية لك؟ ومن كان المشجع الأول لك في هذا المجال؟
– كنتُ منذ المرحلة الابتدائية مولعاً بقراءة كتب ومجلات الأطفال، فقرأتُ العديد منها في مكتبة المدرسة الابتدائية.وفي المرحلة المتوسطة نمت موهبتي مع مكتبة كبيرة وبقراءات مستفيضة لكتبها وخاصة الروايات والقصص والدواوين الشعرية القديمة والحديثة، تطورت موهبتي جلياً في درس اللغة العربية وخاصة في درس (الإنشاء والتعبير)، مما لفت ذلك انتباه مدرس اللغة العربية آنذاك الشاعر العراقي الراحل معد الجبوري، الذي احتضن موهبتي وشجعني، كما احتضن بعض زملائي في الدراسة على الكتابة والنشر في الصحف والمجلات الصادرة خلال تلك الفترة. تأثرت كثيراً بشعراء الحداثة وقصيدة الشعر الحر : بدر شاكر السياب، نازك الملائكة، بلند الحيدري وعبد الوهاب البياتي وفدوى طوقان فبعد كتابتي للقصيدة العمودية الموزونة، ااتجهتُ لكتابة قصيدة “الشعر الحر” ونُشرتْ في صحف عراقية. وأتذكر هنا أنني كتبتُ أول قصيدة من الشعر الحر وأنا في الصف الثاني المتوسط، نشرت آنذاك في جريدة (الرسالة) الموصلية العام 1972 وكانت بعنوان “البحث عن الأرض”.
ثم استهوتني “قصيدة النثر” فقرأت لكتابها: رامبو “والذي يعد أول من كتب ونشر وروج لكتابتها”، بودلير، أدونيس، توفيق الصايغ، أنسي الحاج، شوقي ابي شقرا، بول شاوول والماغوط، وبدأت أكتبُها وما زلت إلى الآن .
نشرتُ كذلك الكثير من النصوص والخواطر فضلاً عن إعدادي لحوارات مع فنانين وأدباء.
شاركت في معظم المهرجانات الشعرية التي كانت تقام في المرحلتين المتوسطة والثانوية ومن ثم الجامعية في الموصل وبغداد ومن أهمها مهرجان المربد الشعري السنوي الذي كان يقام سنوياً في بغداد والبصرة.
كما شاركتُ في تحرير مجلة (الكلمة) المخطوطة الصادرة عن مكتبة الثانوية محرراً للصفحات الأدبية ثم رئيساً للتحرير. توسعت دائرة النشر عندي فبدأتُ بمراسلة الصحف العراقية والعربية، ونشرتُ في أغلبها نصوصاً شعرية وانطباعات نقدية وتحقيقات وحوارات صحفية، وما زلت أنشر الى الأن. حصلتُ على عشرات الدروع الإبداعية وشهادات شكر وتقدير وتكريم من لجنة “هذا هو الشاعر العراقي”. كما عملتُ لسنوات رئٔيساً لمنتدى الحمدانية الأدبي التابع لاتحاد الأدباء والكتاب العراقيين ورئيساً لاتحاد الأدباء والكتاب الكلدان والسريان في العراق.

*علمنا أنك غزير الإنتاج شعراً ونقداً فضلاً عن كتاباتك في الجغرافية والثقافة عموما. هل لك أن تحدثنا عن هذا الكم من الإصدارات المنشورة وغير المنشورة؟
– بعد أن نشرتُ العشرات لا بل المئات من القصائد في صحف عراقية وعربية وأجنبية، أصدرتُ أول مجموعة شعرية لي عن سلسة نون الأدبية كانت بعنوان (فصول المكائد) العام 1996 ثم صدرت مجموعتي الشعرية الثانية (إشارات لتفكيك قلق الأمكنة) 2000، تبعتها المجموعة الثالثة (مظلات تنحني لقاماتنا) 2002، ثم مجموعة (هوة في قمة الكلام) 2008 والتي صدرت في اليونان، ومجموعة (هكذا أنت وأنا وربما نحن) 2012 الصادرة عن دار تموز في دمشق، ثم مجموعة (مرَّ الظلام من هنا) العام 2018، والتي تعد أول عمل شعري يصدر عن أدب النزوح والتهجير، وكانت مجموعتي الأخيرة (حوار في آخر الليل) هي خاتمة هذه المجامع الشعرية صدرت العام 2020 .كما أصدرتُ خمسة كتب في النقد الأدبي كان أخرها كتاب(فضاءات الخطاب الأدبي جمالية الصورة وخيارات التأويل) عن دار ماشكي للطباعة والنشر في نينوى.
صدر عن تجربتي الشعرية سبعة كتب نقدية ورسالة ماجستير من جامعة بوترا الماليزية للباحث سامر الحديثي بعنوان (البناء الفني في أشعار بهنام عطا الله المختارة) 2018.. كما أصدرتُ كتاباً عن المسرح وثلاثة كتب في الجغرافيا وعلم الخرائط.فضلاً عن كتب أخرى في الثقافة والتاريخ.أما عن نتاجاتي المخطوطة، فلدي رواية أعمل الآن على كتابتها. ومجموعة شعرية، وكتاب نقدي يعد الثامن من سلسلة إصدارات عن تجربتي الشعرية سينشر قريبا عن دار نون للطباعة والنشر.

*عملية إختيار عناوين المجاميع الشعرية والقصائد صعبة، وأحياناً تؤرّق الشاعر، كيف يختار بهنام عطا الله عناوين كتبه وقصائده، وهل من طقوس معينة في هذا الاختيار؟
– مما لا شك فيه أن لصياغة عنوان – ثريا – المجاميع الشعرية والقصائد وعناوين الكتب أهمية لا تقل عن كتابة القصيدة نفسها او تأليف كتاب، وهي مهمة ليست بالسهلة، حيث أن هذا الاختيار يجب أن يكون موفقاً، ليعكس ما في الكتاب وما تتضمنه القصيدة.. فعناوين الكتب تعتبر عتبة أولى للنص وهي تعد عملاً إبداعياً قائماً بذاته، وتبعاً لذلك يستطيع القارىء تذوق جمالية العنوان.. ومن هنا نلاحظ اهتمام دور النشر بالعنوان لتسويق الكتاب، وبالرغم من كل ما أسلفت، فإنني لا أؤيد جذب القارئ على “جثة النص والمضمون”. فاهتمامي بالنص لا يقل عن اهتمامي بثريا النص وعتبته الأولى. لذلك تراني أحفر في اللغة لاستخرج العنوان الجميل والمثير والمغاير، وليس استخدام عناوين مغالية في الطرح سوقية المعنى.. فأنا ضد هكذا عناوين تطرح أولاً وأخيرا لجذب المتلقي وتسويق الكتاب على حساب المضمون.

*ما هو شعوركَ وأنت تختم كتابة القصيدة الجديدة أو خلال نهاية تأليف كتاب جديد؟ وهل السّفر يعطيكَ متسعاً أو رغبةً في الكتابة؟
– بالنسبة للجزء الأول من السؤال: إن سعادتي لا توصف عندما أنتهي من تأليف كتاب أو كتابة قصيدة جديدة، بعد أن يكونا قد مرا بمخاض عسير من التنقيح والتغيير والتصحيح، فولادة كتاب أو قصيدة هي بمثابة ولادة جديدة.
أما الجزء الثاني من سؤالك أستاذة سلمى فأقول لا شك أن السفر وديناميكية الحركة فيه باتجاه الأمكنة وجغرافيتها والاطلاع على العوالم الحياتية والرحلة في أجواء العالم تعطي لي مزيدأ من الدفع باتجاه كتابة قصيدة جديدة أو تأليف كتاب عن رحلاتي وفي ظل أجواء متباينة في الهيئة والطبوغرافيا والرؤيا والمخيلة.
لأن الأمكنة وجمالها تعد بلا شك من العناصر البارزة التي تشكل جمال النص الشعري، فهو إذاً يعد مرتكزاً لكل إبداع شعري باعتباره من العناصر الفنية في بناء القصيدة.
لذلك تشاهدني أسطر للأمكنة قصائد أينما رحلتُ وضمن مهيمنات وفيوضات تبقى في الذاكرة، وخاصة عندما أقتنص الحدث أو المشهد المكاني وأصبه على الورقة شعراً جميلاً.

*ما هي أقرب المجموعات الشعرية إلى نفسك، ولماذا؟
– كانت مجموعتي الشعرية الأولى (فصول المكائد) وبلا شك هي الأقرب الى نفسي، باعتبارها أول مجموعة شعرية أصدرتها، حيث لا زالت عالقة في ذهني تلك المشاهد التي رافقت ولادتها ومخاضها العسير مادياً ونفسياً بينما كنتُ أحضر حينها للحصول على شهادة الدكتوراة.. فكان اصدارها مخاضاً صعباً . وبالرغم من ذلك خرجت هذه المجموعة ولاقت حينها اهتمام الكتاب والنقاد وكتبت عنها دراسات وقراءات نقدية عديدة في الصحف العراقية.

*بخصوص أعمالكم المترجمة، فقد لاحظتُ أن بعض أعمالكم قد ترجمت إلى لغات أخرى، هل وجدت فارقاً بين نشر أعمالكم بالعربية ونشرها باللغات الأخرى من حيث الانتشار والقراءة؟
– نعم تم ترجمة بعض قصائدي إلى اللغة الإنكليزية والهولندية والكردية والسريانية. وكانت الترجمات موفقة فعلاً لأنها حصلت من قبل مترجمين لهم باع طويل في هذا المجال وأدوات مكنتهم من إنجاح هذه التراجم.
كما تم ترجمة مجموعتي الأخيرة (مرَّ الظلام من هنا) الى اللغة السريانية الفصحى، وصدرت عن دار المشرق الثقافية في كوردستان العراق. والمجموعة بمجملها تتحدث عن فترة النزوح والتهجير بعد سيطرة الجماعات الإرهابية على مدينة الموصل وسهل نينوى وما جاورها فجاءت الترجمة متناغمة مع ما كتبتُ بالعربية، ونجح المترجم أكرم بهجت فعلاً في الترجمة وكان أميناً وهو يقوم بهذا العمل الشائك، فلقد كان يتصل بي مراراً وتكراراً خلال اليوم الواحد ليسأل عن كل شيء ورد في النصوص ومعناها وما أخفي وراءها من مدلولات، لكي تظهر ترجمتهُ قريبة جداً من النص الأصلي بالعربية، لذلك لاقت المجموعة اهتمام القراء والنقاد وكتب عنها دراسات وانطباعات نقدية عديدة.

* بجانب كتابتك للشعر عرفناك إعلاميا متميزاً. هل لك أن تحدثنا عن الجانب المشرق من عملك الإعلامي؟
– عشقت الصحافة منذ الصغر وتولعت بها وفي المرحلة المتوسطة شاركت كمحرر في إصدار مجلة مخطوطة. بعدها بدأت بنشر تحقيقات وحوارات مع فنانين وكتاب وشعراء في الصحافة المحلية.
كان حلمي منذ الصغر هو أن أكون رئيساً لتحرير مجلة أو جريدة وتحقق حلمي عندما أصدرت أول جريدة في سهل نينوى سميتها (صوت بخديدا) الثقافية في العام 2003 فكنت رئيساً لتحريرها إلى العام 2014.ثم عملت على تأسيس (جريدة صدى السريان) ورئٔيساً للتحرير، ثم رئيساً لتحرير مجلة (الإبداع السرياني) وبثلاث لغات العربية والسريانية والانكليزية، كما استلمتُ رئاسة تحرير مجلة (المجلس الشعبي) وباللغتين العربية والسريانية.فضلاً عن عملي مديراً لتحرير عدداً من الصحف الأخرى.

* رسائل الشعراء والمبدعين فيما بينهم كنز عظيم، وتراث إنساني عميق، لماذا تغيب عنا أدبيات جمع الرسائل ونشرها على غرار رسائل محمود درويش مع سميح القاسم، وفرناندوا بيسوا مع حبيبته أوفيليا بما نستطيع تسميته ب “أدب الرسائل”؟
أدب الرسائل .. فن جميل ومشوق من فنون الأدب العربي والعالمي، ويعده البعض من أجمل الأجناس الأدبية، حيث تعرض الرسائل المتبادلة بين الأدباء ما تحتويه هذه الرسائل من خصائص أدبية وذاتية ونفسية وسايكولوجية، مما حدا بالبعض إلى أرشفة هذه الرسائل وإصدار كتب عنها خوفاً من ضياعها.
إذ تعد قيمة فنية أدبية وحياتية كبيرة ولعل من أهم أسباب عدم الاهتمام بهذا النوع من الجنس الأدبي حالياً هو ظهور التقنيات الحديثة والانترنت التي أبعدت جمال الخط والكتابة وهو يخط الرسالة بيده ويدبجها لزملائه واصدقائه الادباء والكتاب، أما الآن فالضغط على أزرار الحاسوب أو الجوال تستطيع اختيار نوع الخط والحجم لترسل رسالة سريعة باردة باهتة لا روح فيها إلى من تروم إرسالها..أتمنى أن تعود إلى ماكانت عليه سابقاً، علماً أنني شخصياً أحتفظ بعشرات الرسائل المتبادلة بيني وبين شعراء وأدباء ومثقفين عراقيين وعرب، هي مادة دسمة ربما سترى النور يوماً من الأيام في كتاب.

قبل نهاية حوارنا نتمنى أن تتحف قراءنا الكرام بنموذج من شعرك الجميل ؟
شذى النغمات
يداكِ الجميلتان
تقلبا ديواني ..
ورقة ورقة ..
وفنجان قهوتك
مركون صامت جنبها
وأنت تقرأين ذلك الغزل
المنسي منذ زمان
على تلك الرفوف الرطبة
تدفئينها …
بأنفاسك العذبة
وترشين العطر عليها
بشذى النغمات
تبتلُ أوارق ديواني
ليرسم لك في كل الساحات خارطة
للعشق الأبدي
مدون عليها
حبيبتي والشجر الوردي

* هل من كلمة أخيرة تقولها لقراء صحيفة “الكأس” الكرام ؟
لا يَسعني في ختامِ هذا الحوار الجميل، إلا أن أتقدم بخالص شكري ومودتي واحترامي لصحيفة “الكأس” الغراء وهيئة تحريرها وقرائها، كما أتقدم بخالص شكري للإعلامية والروائية المبدعة المحاورة الرائعة الأستاذة سلمى البكري لتجشمها عناء إجرائها هذا الحوار الجميل والممتع، متمنياً للصحيفة والعاملين فيها المزيد من الإبداع والعطاء والتقدم والنجاح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com