التقارير والحوارات

عنف الملاعب ..النقطة السوداء في رداء الرياضة

 

الكأس – نعمان عبد الغني

تعتبر ظاهرة الشغب في الملاعب الرياضية ظاهرةً عالميةً، حتى وإن اختلفت أشكالها من بلد إلى آخر، غير أن السؤال الذي يظل محيراً هو: ما الدافع الذي يقود الشباب الله أو إلى القيام بالشغب، ما أسباب هذا الحقد التي يتجلَّى في هذه الحروب التي تخوضها الجماهير، مع أن الخاسر الوحيد فيها هم أصحابها، هل الأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة المستعصية على الحل هي أسباب نفسية اجتماعية، أم اقتصادية، أم ربما هي أسباب قد تكون سياسية، لِمَ لا؟ كل هذه الأسئلة تظل وجيهة في ظل غياب دراسات كافية تشخّص الظاهرة.

 

للعنف والعدوان أسباب كثيرة، تعددت بحسب تعدُّد أسباب المهتمين بهذا المجال، فكلٌّ يُفسِّره بحسب تخصصه، غير أن أبرز النظريات في المجال تُرجع أسباب العنف إلى عوامل اجتماعية بالأساس، وخاصة إلى المحيط الصغير؛ الأسرة، والمدرسة، والبيئة، أو الحي الذي ينشأ فيه الشخص، وبذلك يكون التأكيد على أن العنف وإن كانت له أسباب نفسية، إلا أن العوامل الاجتماعية هي التي تغذي هذه الأسباب فتطفو على السطح، وحينما نتحدث عن العوامل الاجتماعية نتحدث عن الأسرة بالأساس كمؤسسة اجتماعية، ثم نتحدث عن التعليم، وباقي المؤسسات الاجتماعية الأخرى المكلفة بالتأطير الاجتماعي، مثل مراكز الترفيه، وبعض الأندية الثقافية التي ينبغي أن تكون حاضرة في جميع الأحياء.

 

في هذه الدول بدون شك تزداد الهوة بين الطبقات الاجتماعية، بل وأحياناً قد تصل إلى مستويات تكون حادة، وهذا ما يولد الاحتقان الاجتماعي، خاصة إذا ما استحضرنا غياب الدولة عن الأحياء الهامشية الهشة، اقتصادياً واجتماعياً، وبالتالي فهي لا شك ستنتج لنا أفراداً يعانون من مختلف الاضطرابات النفسية، وبالتالي فهم يسعون دوماً للتعبير عن ذواتهم في الفضاءات العمومية، بجميع الطرق التي تتاح لهم، وقد يكون ما نراه من حين للآخر، سواء في الاعتداء على الممتلكات العامة، أو الاعتداء على الأشخاص في الفضاء العام، كلها أشياء يحاول من خلالها الأفراد التعبير عن ذواتهم المقهورة والمظلومة اجتماعياً، وهنا ولا شك يُطرح سؤال المسؤولية، من المسؤول عن هذا الوضع، هل هي الأحزاب السياسية، أم المؤسسات التعليمية، أم ترى أن المسؤولية مشتركة بين الجميع

 

الأسباب هناك عدة أسباب لظاهرة العنف في الملاعب، منها: التعصّبُ الرياضي، وعدم التحلي بالروح الرياضيَّة العالية، حيث يتعصب كل فريق لفريقه وعلى أيِّ ظرف وحال كان أداؤه. الجهل وعدم الوعي بطبيعة العلاقات الإنسانيَّة والتنافسات بين الفرق، فالعلاقات بين النَّاس يجب أن تكون على أساس الودِّ والتسامح والاحترام، والتنافسات بين الفرق الرياضيَّة يجب أن تعكس مظهراً حضارياً للتنافس النظيف والشريف. فقدان ثقافة الودِّ والتسامح، واستبدالها بثقافة العداء والتباغض والحسد. الأنانيَّة المفرطة، ورغبة كل فريق بالاستئثار بمراتب الفوز وعلى أيِّ وضع كان. نزعة التعصب القبلي، فيتعصب مؤيدو الفرق لفرقهم لانتمائهم لنفس الدولة مثلاً. الحلول إنَّ مدخل علاج هذه الظاهرة، هو بثّ الوعي بما يجب أن تكون عليه الرياضة، وتنبيه النَّاس ولا سيَّما المشجعين إلى النتائج المأساويَّة التي قد تنجم عن هكذا تصرفات، ويجب أن يكون للمنابر، مثل: المدرسة، والمسجد، دور هام في ذلك وتوجيه يصبُّ في ذات الهدف، وهناك واجب مضاعف على مسؤولي الفرق الرياضيَّة بمخاطبة المشجعين قبل وأثناء الذهاب لكل مباراة مع التشديد بكل قوَّة على هذه الناحية، وللإعلام دور عظيم في ذلك سواء كان أثناء تغطيته للمباريات، أو قبلها أو بعدها، وذلك بإبراز الروح الرياضيَّة التي يجب أن تسود في الملاعب، والتركيز على قيم الحبِّ والمؤاخاة. النظرة الصحيحة للرياضة إنَّ النظرة الصحيحة للرياضة يجب أن تتمثّل في أنَّ الرياضة وسيلة حضاريَّة لاستثمار وتفعيل الطاقات الشبابيَّة، ومد الجسور الاجتماعيّة بين أعضاء الفرق الرياضيَّة من ناحية، ومن ناحية أخرى بين الفرق الرياضيَّة فيما بينها، وكذلك يجب أن يكون التشجيع للهدف الجميل والأداء الرائع بغض النظر من كان صاحبه، ومن هنا جاءت فكرة المباريات الوديَّة بين الفرق الرياضيَّة، والتي تعكس النظرة الصحيحة، والتصوُّر الصحيح لهذه المباريات، والمظهر الحضاري لهذا التنافس أو ذاك. إنَّ الشعوب الراقية والأمم الحيَّة، هي التي تجعل من الرياضة والملاعب وسيلة للتلاقي وبذر بذور المودة، لا وسيلة للاحتراب والخصومة والشجار، فمن هذه الزاوية وحدها، يمكن الإطلال على الرياضة والنظر إليها، فهي مصلحة رياضيّة بامتياز، وهي مصلحة وطنيَّة وقوميَّة ما التزمت أسس التنافس الحضاري النظيف.

 

أسباب العنف في الملاعب ونتائجه يفضل أغلب الناس نوعًا من الرياضات، وليس من المستغرب أن يحصل من عشاق الرياضة حماسًا زائدًا عند دعمهم لفريقهم، ولكن عندما يتحول هذا الدعم الزائد إلى عنف ويبدأ المشجعون بالإيذاء، فيجب التوقف هنا وإيجاد حلول جذرية للمشكلة والظاهرة السيئة، ولإيجاد الحلول يجب معرفة الأسباب الرئيسية لانتشار ظاهرة العنف والشغب في الملاعب، ومن هذه الأسباب ما يلي:[٢] نظرية التمييز حسب الهوية الاجتماعية: سبب شائع للسلوك السيء في الألعاب الرياضية من قبل المشجعين، وتجد هذه النظرية طريقها بين المشجعين بسبب حاجتهم إلى الانتماء إلى مجموعات لاعتقادهم بأن هذه المجموعات توفر لهم هويتهم الاجتماعية واحترامهم لذاتهم، وبانقسام المشجعين لمجموعات، وبسبب الاختلافات الكبيرة بينهم عادة ما يتسبب الأمر بمشاكل كثيرة. الحالة النفسية قبل المباراة: من بين الأسباب الرئيسية وراء السلوك السيء في الملاعب هو جلب المشجعين لمشاكلهم وقضاياهم الخارجية والشخصية إلى المباراة، وبهدف التخلص من التوتر والإحباط الموجود في المنزل أو في العمل، وبسبب جو الإثارة في الملعب، يفقد بعض الناس الهدوء ويتصرفون تصرفات غير طبيعية ومؤذية. الأحداث خلال المباراة: الأحداث أثناء مباراة كرة القدم يمكن أن تكون أيضًا بمثابة محفز كبير لسوء السلوك من قبل المتفرجين، وأكثر ما يؤثر هو الهتافات غير اللائقة من قبل الجمهور في المباراة الرياضية، ونتيجة المباراة أيضًا تؤثر، فقد ينزعج المشجعون بشدة عندما يخسر فريقهم، مما يجعلهم ينتقدون جماهير الفريق المقابل، وفي بعض الأحيان يصبح بعض المشجعين غاضبين أو متحمسين خارج الملعب ويشتبكون مع مشجعي الفريق الآخر. مثيرو الشغب: إن مثيري الشغب يعدون السبب الرئيسي للعنف في المباريات، وعادة ما يكونوا من أفراد العصابات، وعادة ما تظهر هذه الفئة من المُشجعين لمجرد التخويف والصراخ والقتال مع عشاق الفريق الآخر. التخلص من عنف الملاعب أثارت أعمال العنف التي اندلعت بعد مباراة إنجلترا مع روسيا عام 2016 ميلاديًا في مرسيليا الكثير من الأسئلة حول كيفية الوقاية من الشغب والتخلص منه، وقد أصيب في أحداث الشغب هذه أكثر من 30 شخصًا، ومن ومن الحلول الممكنة لتقليل شغب الملاعب والتخلص منه ما يلي:[٣] عقوبة الملاعب الفارغة: ويقصد فيها منع الجماهير المُثيرة للشغب من حضور مباريات فريقها، ومثال على ذلك مباراة مانشستر ستي الإنجليزي التي لعبها مانشستر خارج أرضه في دوري أبطال أوروبا أمام تشسكا موسكو الروسي في عام 2014 ميلاديًا، ولم يحضر أحد هذه المباراة من الجماهير، فقد حُظر دخول المشجعين بعد سلسلة من أعمال العنف والهتاف العنصري من قبل مشجعي تشسكا موسكو. حظر الكحول في الملاعب: فرض عقوبات مشددة وحظر على شرب الكحول في المباريات، وقد جُرّب حظر المشروبات الكحولية من قبل، ولكن لم يحدث ذلك التأثير المنشود، وخلال كأس العالم 1990 ميلاديًا في مدينة كالياري عاصمة سردينيا الإيطالية اندلعت اشتباكات بين الشرطة ومشجعي إنجلترا بعد حظر مبيعات الكحول في كالياري. أوقات المباريات: يرتبط وقت المباراة ارتباطًا وثيقًا في الدول الأجنبية بموعد شرب الكحول، فهم يُفَضلون إقامة المباريات في وقت مُبكر من اليوم، وعلى سبيل المثال إقامة المباراة من الساعة 15:00 ظهرًا حتى أوقات الغروب من يوم السبت، وتكمن الفكرة في منح المشاغبين وقتًا أقل لشرب المشروبات الروحية أثناء المباراة أو قبلها، ويؤدي هذا للتخفيف من حدة الشغب. فصل الجماهير: من الطرق المفيدة والمتبعة كثيرًا هي فصل جماهير الفريقين عن بعضهما، وعلى وجه خاص المباريات ذات الحساسية الجماهيرية، وعلى سبيل المثال في عام 2016 ميلاديًا وفي مباراة روسيا وإنجلترا اضطرت الجماهير للهروب من الملعب بعد العنف الذي اندلع بسبب عدم الفصل بين الجمهورين. أشهر حالات الشغب ظهرت الكثير من حالات الشغب المشهورة في الملاعب حول العالم، ومثال عليها المجموعات المشاغبة لفريق جلاسكو رينجرز الأستكتلندي البروستانت، والذين خلقوا عداوة مع مشجعي منافسهم فريق سلتك والذين بدورهم يتبعون المذهب الكاثوليكي، وقد خاضت هاتان المجموعتان الكثير من معارك الشوارع بعد وقبل مباريات الفريقين، وفي نهائي كأس الاتحاد الأوروبي عام 1985 بين ناديي ليفربول الإنجليزي ونادي يوفنتوس الإيطالي في استاد هيسيل في مدينة بروكسل، قتل 39 مشجعًا (منهم 38 إيطاليًا وبلجيكي واحد) وأصيب أكثر من 400 عند تدافع مشجعي نادي ليفربول الغاضبين مع الجماهير الأخرى مما تسبب بانهيار جدار الملعب، وبحلول نهاية القرن الحادي والعشرين الميلادي انتشر مثيرو الشغب بكثرة بين مؤيدي اللعبة الألمانيين والهولنديين والبلجيكيين والأسكتلنديين، وينتشر مثيرو الشغب أيضًا في إيطاليا وجنوب فرنسا، وإسبانيا وأمريكا اللاتينية والتي تباينت مستويات العنف فيها من نادٍ إلى آخر، وقد شهدت أراضي الأرجنتين أسوأ أعمال عنف ملاعب؛ إذ يقدر عدد الوفيات بين أعوام 1939-2003 م بـحوالي 148 حالة وفاة بسبب حوادث العنف، وفي البيرو في عام 1964 م قُتل 318 مشجعًا، أما في أفريقيا وفي زيمبابوي عام 2000 ميلادي قتل 13 مشجعًا في صدامات عنيفة بين المشجعين، وفي عام 2001 م قتل 126 مشجعًا غانيًا أيضًا.[١] ظواهر اجتماعية سلبية تهدف الكثير من الدراسات التربوية ودراسات علم النفس الاجتماعي إلى دراسة الظواهر الاجتماعية السلبية الشاملة لجميع السلوكيات التي تؤثر على الكائن الحي، وهذا يشمل التأثيرات المُكتسبة من الأجيال السابقة، وتوفير أساس للاتجاه السلوكي والطبيعة الإنسانية في الحياة الاجتماعية، وتعتمد دراسات الظواهر الاجتماعية الأساسية على دراسة المجموعات ودراسة أساليب الحياة الجماعية والبيئية لهم، ودراسة تميز السلوك البشري وتأثير التمييز في الحياة والذي يُعد الأساس النفسي للوعي، ومصطلح الوعي المُستخدم كمصطلح عام يعني التفكير أو النشاط الفهمي ويُعد الأساس العلمي لدراسة العديد من الظواهر الاجتماعية، وبطبيعة الحال لا يمكننا التحديد بدقة علمية بالغة مقدار ومدى تأثير السلوك الجماعي على المجتمع، وكيف يمارس البشر فيما بينهم عددًا من الظواهر الاجتماعية دون أن يدركوا ماذا يفعلون، وللتعمق أكثر يجب دراسة أساليب تنظيم السلوك الجماعي بين البشر.

إدارة الموقع

نبذة عن ادارة الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com