إبراهيم البارقي يكتب:”رحيل رونالدو”

النقاش الموضوعي يحكمه اتساع أفق المخاطب وقدرته على استيعاب الموضوع نقدًا وتحليلًا، هذه التوطئة المختصرة للدخول في معركة الأخذ والعطاء التي سبق أن طرحناها في تغريدة سابقة على منصة X بعبارة “حافظوا على كنزكم” وهي بخصوص النجم العالمي كريستيانو رونالدو، هذا النجم الذي سحر بنجوميته قارات الأرض قاطبة.
رونالدو الذي قدم للنصر والدوري السعودي ما لم يقدمه أحد قبله، يتحول إلى شماعة تُعلّق عليها الإخفاقات، ويتعرض إلى حملة يحركها الحقد ويغذيها التربص، ظاهرها النقد وباطنها خلاف ذلك تمامًا، ويشارك فيها بكل أسف بعض من المحسوبين على النادي، وانساق خلفها بعض المغردين المؤثرين، وتلقفها عدد ليس باليسير من الجمهور النصراوي إما بحسن نية أو بقلة وعي أو دون تأمل بأبعاد ما يُطرح لشيطنة الدون الذي يحلم بوجوده المنافسون، ولنا في لبس البشوت التي كانت تنتظر ميسي في المطار خير برهان، مع أنه في نفس عمر الدون وفي مراحل حياته الكروية الأخيرة.
كريستيانو المتوهج بكل حالاته نشاهده وهو يركض في كل أرجاء المستطيل ويتألم للخسارة، يؤمن بأنه جاء ليصنع تاريخًا جديدًا، وقد فعل بلغة الأرقام التي لا تكذب، من خلال إحصائية نقلتها من مواقع رياضية معتمدة تقول إن رونالدو سجل 35 هدفًا في دوري روشن السعودي موسم 2023/2024 خلال 31 مباراة، وهذا ما شاهدناه جميعًا، ليحطم الرقم القياسي لأكثر اللاعبين تسجيلًا في موسم واحد بالدوري، وأضاف إليها 50 هدفًا في جميع المسابقات خلال الموسم، إلى جانب 13 تمريرة حاسمة. حصل على جائزة الحذاء الذهبي كأفضل هدّاف في الدوري، وشارك بنسبة تتجاوز 70% من أهداف الفريق، سواء بالتسجيل أو الصناعة، وهذا دون احتساب ما قدّمه من تأثير في الأداء، والتحفيز، وحقق مع النصر البطولة العربية بعشرة لاعبين وكان يقاتل داخل الملعب من أجل الكيان وجمهوره.
عندما نعود للتأثير ولغة الأرقام نجد أن تأثير كريستيانو لم يكن داخل الملعب فقط، بل خارجه أيضًا، فمنذ انضمامه، ارتفع عدد متابعي النصر من نحو 5.4 مليون إلى أكثر من 18 مليون خلال أيام، وارتفعت مبيعات قمصان النادي بنسبة تجاوزت 400%، كما تضاعفت قيمة عقود الرعاية.
النصر أصبح أكثر الأندية العالمية حضورًا ومتابعة بفضله، وأصبح حلمًا للنجوم الكبار في أوروبا والعالم، بعد أن فتح كريستيانو الباب، وغيّر وجهة أنظار العالم نحو الكرة السعودية.
رونالدو، هذا النجم صاحب القيمة الأعلى في عالم كرة القدم، لا يقتصر كونه فقط أسطورة تهديفية، إنما يتجاوز المفهوم الصحيح إلى أنه ظاهرة كروية عالمية، فقد أصبح أول لاعب في التاريخ يُتوَّج بالحذاء الذهبي في أربع دوريات مختلفة: الدوري الإنجليزي، الإسباني، الإيطالي، وأخيرًا السعودي، كما سجل أهدافًا رسمية في كل قارة لعب فيها، من أوروبا إلى آسيا، مرورًا بأمريكا وأفريقيا، سواء على مستوى الأندية أو المنتخبات، في مسيرة مذهلة تجعله اللاعب الأكثر شمولية وتأثيرًا في كرة القدم الحديثة.
اليوم يجب أن نتحدث بعقلانية وليس بالعاطفة المكذوبة. هل يمكن، مع كل هذه الإنجازات، أن يُحمّل رونالدو مسؤولية التراجع التكتيكي، وأخطاء التشكيلة، وغياب الانسجام بين الخطوط؟ ويُطلب منه أن يكون مهاجمًا ومدافعًا وصانع ألعاب ومحورًا في آنٍ واحد؟ لا ينبغي أن نكون مثل النعام التي تدس رأسها في التراب ونتجاهل أن الفريق يعاني من مشكلات فنية وإدارية أعمق، ويُرمى بكل الفشل على اللاعب الوحيد الذي لا يتوقف عن العمل والقتال والتسجيل، وإن عانده الحظ أحيانًا فهذا لا يلغي لحظات كان فيها أهم أدوات الانتصار لفارس نجد.
الحملة التي يتعرض لها رونالدو محال أن تكون بريئة، فهناك من يسعى لزعزعة الفريق من الداخل عبر استهداف أكبر رموزه، سواء كانوا من إعلاميين مأجورين، أو منافسين منزعجين من تأثيره، أو حتى مؤثرين منساقين وراء “الترند”، فالنتيجة واحدة: هدم ما تم بناؤه.
الخطورة الأكبر هي انسياق بعض الجمهور النصراوي خلف هذه الحملة، متناسين أن كريستيانو مشروع متكامل، وقيمة فنية وتسويقية وأخلاقية، ورحيله لن يكون فقد لاعب عالمي تحلم به أندية العالم، إنما ضياع لأحد مكتسبات النادي وامتداد للأساطير التي صدّرها نادي النصر للمجتمع الرياضي. إن الحفاظ عليه لا يتوقف عند مسؤولية رجال النصر وإدارته، بل مسؤولية كل مشجع واعٍ يدرك أن هناك رموزًا لا تمس، وقيمًا لا تُساوم.
كريستيانو رونالدو هو الكنز الحقيقي الذي يملكه نادي النصر وعشاقه الصادقون، وركزوا على كلمة الصادقون.
على الود نلتقي بكم.